الأمة العربية مستهدفة. جملة نقرؤها في الصحف والمجلات السياسية، ونسمعها في البرامج الحوارية، لكن هل هي صحيحة على المستوى الواقعي؟ أليس من الواجب علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا نحن مستهدفون؟ هل نحن تلك القوة التي لا تُجارى، أو بذلك الغنى الذي لا يُبارى؟ هل نملك حقاً ما يستحق الاستهداف؟
في الواقع نحن أضعف الأمم وأفقرها وأقلها مالاً وثروة، وأكثرها كسلا، وعدواننا على بعضنا بعضا أكثر مما هو ضد أعدائنا· لا نأكل مما نزرع، ولا نلبس مما نخيط، ولا صناعة تستحق الاحترام لدينا· وفقاً للتقارير الدولية ما بين 40-50 في المئة من الشعب العربي تحت خط الفقر، مستقبلنا في الغيب بلا خطط، وحاضرنا لا نملك زمامه· لو فكرنا بالعقل وبشكل منطقي لوجدنا من المستحيل أن نكون مستهدفين· يمكن أن يُرثى لحالنا، نستحق الشفقة، نعم، يُعجب لأوضاعنا الهزيلة، نعم· لكن: مُستهدفون!! كلا وألف كلا· إنه خيالنا المريض ووهمنا الأبدي· يقولون: كل ذي نعمة محسود· ونحن بحمد الله، خالون تماماً من كل نِعم القوة والقدرة والمواهب والصناعة والثقافة، وحتى الرياضة غير فالحين فيها· فالمسرح تحول إلى مصرخ، والإبداع توارى خلف الخوف من الإرهاب الفكري بالتكفير والردة، وجامعاتنا ليست سوى ثانويات عليا· من العجب ألا نلطم الخدود ونشق الجيوب على حالنا·
إذاً مسألة الاستهداف زائفة، لأنها قابلة للدحض والإثبات بالنفي· ومع ذلك سنساير العموم، ونقول إننا (مُستهدفون)· أفلا يجب أن يدفعنا ذلك إلى بحث الأسباب وكيفية مواجهتها· بدلاً من الارتكان السهل على كتف المؤامرة؟ وسواء كنا مستهدفين أم لا، ألسنا بحاجة إلى مراجعة ما يحدث في مجتمعاتنا سواء ما وصف بالتخلف أو التقدم؟ ألسنا بحاجة إلى مواجهة من يستهدفنا بما لدينا من قدرات وقوى للرد على هذا الاستهداف؟ ألسنا بحاجة حقيقية إلى دراسة هذا الاستهداف؟
في ظل هذا الوهم بالاستهداف، (تنعم) الأمة العربية بالاسترخاء، بل بالكسل العقلي والاعتماد على وهم ماضينا وحضاراتنا البائدة، وتتورم الذات عندنا حتى أصبحنا نعتقد أن الشحم المترهل على الجسد العربي ليس سوى عضلات· وللأسف لا نزال إلى هذه اللحظة نحن كـ(عرب) أسرى نظرية المؤامرة، وكأن العالم بكل مآسيه وكوارثه وقضاياه ليس لديه سوى هذه الأمة التي لم تعِ إلى الآن أنها بحاجة إلى نعي ذاتها· إننا نعيش في حالة حلم يقظة شديد الوطأة، وكأنه (كابوس) نهاري، يجثم على عقولنا وليس أنفاسنا، بما يمنعنا من التفكير السليم·
الأمة العربية مطالبة على مستوى الشعوب، بعد أن فشلت الأنظمة أن تسعى جدياً وعلى مستوى الفعل لا القول، إلى تغيير أوضاعها على المستوى الخاص أولاً، ثم بعد ذلك الانتقال إلى المستوى العام· لنبدأ بأنفسنا بالإيمان بالعقل والأخلاق كمعيارين للتعامل مع الشأن الدنيوي. انتشر الفساد السياسي والإداري، وتنتشر الرشوة، ويقل الإخلاص في العمل، وتزداد الواسطة أسلوباً في الحياة للتعامل مع المؤسسات، وتغيب العدالة الاجتماعية، وتنهار مبادئ العدالة والمساواة. لقد فقد العرب حتى حق الحلم بمستقبل أفضل، بسبب سوء الحاضر الذي يعيشونه· إننا للأسف نقتل أنفسنا بأيدينا· وحين يقوم المجتمع بإصابة عينه بأصابعه، ليس له حق الشكوى.
لقد ملّ العقلاء وهم ينصحون المجتمع، لكن مع ذلك، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!