يدخل العرب الأميركيون هذا العام 2004 وهم أكثر استعدادا من ذي قبل لإحداث تغيير في أدائهم السياسي. ففي الوقت الحالي تكاد الجالية العربية تكون طرفا في كافة مستويات العملية السياسية الجارية في البلاد. وهي الآن أكثر استعدادا لجني ثمار ما يزيد على العشرين عاما من النمو والعمل السياسي. وبالطبع سينصب اهتمام الجالية في الوقت الراهن على الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي المقرر لها أن تبدأ خلال أقل من أسبوعين. وسوف تكون ولاية (لوا) أولى المناطق التي ستجري فيها المنافسة الانتخابية، علما بأن الجالية العربية هناك، بدأت تعد نفسها لهذه المناسبة منذ ما يزيد على الستة أشهر. والشعار الذي ترفعه الجالية في إطار التعبئة للحملة الانتخابية هناك هو (يللا نصوت) حفزا للناخبين لخوض معركة التسجيل. وكان للعرب الأميركيين حضورهم كذلك في مرحلة الترشيح، إذ شوهدوا وهم يرفعون الرايات والشعارات المنادية بصيانة (الحقوق المدنية للعرب الأميركيين) وكذلك المناداة بـ(العدالة في فلسطين) إلى جانب إثارتهم الأسئلة الصعبة في وجوه كافة المتطلعين إلى رئاسة البلاد.
وبعد حملة (لوا) الانتخابية، ستتجه أنظار العرب الأميركيين إلى ولاية ميتشيغن، حيث تجري حملة تعبئة انتخابية كبرى لأعضاء الجالية. يذكر أن (المعهد العربي الأميركي) كان قد أطلق هذه الحملة في شهر أكتوبر المنصرم، بعقده مؤتمرا قياديا تم فيه تقديم تسعة من المرشحين الديمقراطيين الطامحين للحصول على ثقة الناخبين العرب وأصوات الجالية في الولاية. ولما كان صوت الجالية العربية يمثل ثقلا انتخابيا يحسب له ألف حساب في ولاية ميتشيغن، فقد عمد ثلاثة من المرشحين الديمقراطيين إلى تعيين موظفين عرب لتولي دور حصد أصوات الناخبين العرب لصالح حملاتهم. إلى جانب ذلك، فقد تولت الجالية تنظيم لجان عربية باسم عدد من كبار القادة من المرشحين الديمقراطيين، وشرعت حملات استنفار الناخبين للتسجيل والتصويت سلفا. والهدف من ذلك بالطبع هو إحداث تغيير ملموس في مسار الحملة الانتخابية الأولية التي ستجرى في مطلع شهر فبراير المقبل.
وليس الأمر قاصرا على ولايتي ميتشيغن و(لوا)، بل الواقع أن الناخبين العرب يلعبون دورا رئيسيا في كافة الحملات الانتخابية في مختلف الولايات الأميركية، الأمر الذي دعا الكثير من المرشحين الديمقراطيين إلى تعيين أطقم عربية في لجانهم وحملاتهم العربية، كي يكونوا مدخلا لهم لكسب الأصوات العربية. أما على مستوى مؤتمر المندوبين الانتخابيين، فإن للعرب دورا رئيسيا لا يمكن تجاهله في ثلاث ولايات أميركية على الأقل. وفي هذه الولايات فإن النشاط السياسي للجالية، يؤهلها لأن تختار بين من سيتم اختيارهم لمؤتمر المندوبين هذا. وفي عشر ولايات أخرى حيث تسمح العملية السياسية بإثارة قضايا الجاليات، فإن المتوقع أن تثير الجالية العربية شعارات ومشروعات قرارات تتعلق بصيانة العدل وتحقيقه في فلسطين، والسلام في العراق، فضلا عن شجب التعدي على الحقوق المدنية للعرب والمسلمين الأميركيين. ولما كانت مشروعات القرارات هذه، قد حظيت سلفا بتأييد واسع من قبل مواطني الولايات المعنية، فمن المرجح أن يتم تبنيها على المستوى الولائي والمحلي كحد أدنى. ولن تكتفي الجالية العربية بهذا المستوى وحده، إنما ستواصل بذل الجهود في سبيل دعوة كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري من أجل مناقشة هذه القضايا ومشروعات القرارات على مستوى وضع السياسات القومية للبلاد كافة.
أما في الجانب الجمهوري، فإن للجالية العربية حضورا ودورا أيضا هناك. صحيح أن صفوف الحزب الجمهوري لا تواجه مشكلة في ترشيح الرئيس الحالي جورج بوش مثلما هو الحال في صفوف الحزب الديمقراطي. ولذلك السبب فإن الجهد الذي يبذله الجمهوريون من أجل كسب أصوات الناخبين العرب في هذه المرحلة من الانتخابات، هو أدنى مقارنة بذلك الذي يبذله الديمقراطيون. ومع ذلك، فإن حملة كل من بوش-تشيني قد سعت لتشكيل لجنة خاصة بجذب الأصوات العربية من الآن، هي (لجنة الدعم العربي الأميركي). ولما كان العرب الجمهوريون سيواجهون تحديات حقيقية بسبب الإحباط الذي ساد بين الكثيرين من أبناء الجالية، جراء السياسات التي انتهجها الحزب الجمهوري خلال العام الماضي تجاه القضايا العربية، إلا أنهم مع ذلك يظهرون عزما على جذب أصوات الجالية لصالح الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري.
على الأرجح أن تكون نتائج الانتخابات هذا العام، قريبة جدا من تلك النتائج التي أسفرت عنها انتخابات عام 2000· ولهذا السبب فسوف تكون أولوية بالنسبة لكلا الحزبين أن يركزا جهودهما أولا في الوصول للدوائر والمواقع الانتخابية التي توجد فيها قواعد انتخابية منظمة وعلى درجة من الأهلية والاستعداد لخوض العملية السياسية. وهذا هو حال الجالية العربية في هذا العام بالذات. ويعني هذا على الصعيد العملي أنه وبحلول الخريف المقبل، فإن على الأرجح أن يكون كلا الحزبين قد سعيا، وبذلا أقصى ما لديهما من قدرات لكسب أصوات أبناء وبنات الجالية العرب