يروى عن ديكتاتور إسبانيا الراحل الجنرال فرانسيسكو فرانكو أنه كان يحتفظ في أدراج مكتبه بملفين ضخمين الأول تحت مُسمى (قضايا يحلها الزمن) والملف الثاني عنوانه (قضايا ستُحل بمرور الزمن)، وفي فترة حكمه الطويلة لإسبانيا تميز الجنرال بقلة المبادرة والصبر السلبي والاعتماد على الوقت، آملاً في أن يحل (الجنرال زمن) ما لم يستطع البطل الفاشي التصدي له· وفي هذه الأيام الأولى لعام 2004 تبرز قضية التركيبة السكانية وقضية أخرى مرتبطة بها ألا وهي التوطين وكأنها جديرة بالأرشفة ضمن ملفات (الكوديلو) الإسباني الراحل·
وفي مناقشة المجلس الوطني الأخيرة حول برنامج عمل (تنمية) يبدو موضوع التوطين على رأس الأجندة السياسية ولو إلى فترة قصيرة· والمتابع للحوار (البرلماني) الدائر حول هذه القضية الأساسية يجد أن الحوار غير فعّال تجاه قضية مهمة لن يحلها الوقت ولن تحل نفسها مع الوقت بل من خلال المتابعة السياسية والقرار السياسي الواضح· ولعلي أتفهم وجهة نظر العضو عبدالله الشرقي حين تحدث محتجاً عن لوبي رجال أعمال يسعى لعرقلة تطبيق نسب التوطين والتي يجب أن يكون تطبيقها رأس الحربة الفعّال لهذه المسألة الحيوية· أقول ذلك وأضيف أن الموضوع أكثر تعقيداً كما ذكرت في مقال سابق كنت قد تناولت فيه هذا الجانب، فمن جهة لابد من أن تقتنع القيادة السياسية أن التعامل الحاسم مع الموضوع يمثل أولوية سياسية، ومن جهة أخرى لابد من أن ندرك أن السواد الأعظم من الفعاليات الاقتصادية والتجارية في الإمارات ليست إماراتية، وهناك قطاعات اقتصادية ضخمة لا وجود إماراتيا فيها وبالتالي فخيار التوطين كخيار ذاتي ليس وارداً البتة·
والتوطين من خلال برنامج يطبق النسب عبر إطار زمني يمثل خياراً عملياً وخاصة إذا ارتبط بقطاعات معينة ومهن معينة، ولعل التجربة المنهجية لمثل هذه الأهداف في قطاع المصارف تمثل تجربة ناجحة، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى تجربة الجارة عُمان والتي شملت خطواتها الأخيرة (تعمين) 36 مهنة في 44 ولاية عُمانية· والخلاصة أن النسب ممكنة والتدرج ممكن لمن يخاف الآثار السلبية والتي تكثر الإشارة إليها، وكل ذلك من خلال استهداف جوانب محددة ومهن معينة ومن ثم التوسع فيها· أكاد أجزم أن هناك العشرات من الوصفات الممكنة والعملية للتصدي لموضوع التوطين، كما أن التخويف بأن الجو (الكوزموبوليتاني) للإمارات ومكانتها الدولية سيتأثران بمثل هذه التوجهات يمثل عذراً غير مبرر، فبالإمكان كما ذكرت التعامل مع الموضوع بحساسية ومنهجية وفوق ذلك كله توجه وطني، ولكن لابد من أن يكون هناك غطاء سياسي فاعل لتبني هذا الخط·
وأضيف جازماً أن هذا الموضوع ستتفاقم حدته ما لم يتم التصدي له بطريقة منهجية وفوق ذلك كله لابد من أن أضيف أن التعامل مع موضوع التوطين يمثل أولوية وطنية في سائر دول الخليج العربي ومن ضمنها دولة الإمارات العربية المتحدة· فمجتمعاتنا مجتمعات شابة ومخرجات العملية التعليمية لابد من استيعابها وبصورة إيجابية منتجة هدفها مشاركة المواطن في مسيرة التنمية وتوفير الحياة الكريمة المنتجة له ولأبنائه وأحفاده·
ويرتبط موضوع التوطين ارتباطاً عضوياً بموضوع خلل التركيبة السكانية في الإمارات وهو (أم الموضوعات) أو (أم القضايا)، من حيث إننا ما نزال نعيش أجواء السقوط المهين لديكتاتور الحفرة· ومن رحم هذه القضية المصيرية، أي خلل التركيبة السكانية، تبرز العديد من القضايا الأخرى والتي لا تقل أهمية، ومن ضمنها قضية التوطين في القطاعات الإدارية والاقتصادية المختلفة· ولا أضيف جديداً حين أشير إلى أن مأزق التركيبة السكانية لن يحله الوقت ولن يعالجه الزمن بل سيعقد منه وسيزيد من تشعباته، ويبقى القرار السياسي والإرادة السياسية ضروريان للتعامل مع هذا الموضوع·