في منتصف الأسبوع الماضي قررت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية حظر أحد الأنواع الأعشاب المنشطة (Ephedra)، والذي كان يستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة للتخسيس وفقدان الوزن· وعلى رغم أن الحظر القانوني يبدأ العمل به بعد ستين يوماً، إلا أن الإدارة حثت الناس على وقف تناول هذا العشب فوراً، نتيجة المخاطر الصحية الجسيمة المتلازمة مع استخدامه· فبعد دراسة تحليلية واسعة، وجدت الجهات الصحية المختصة أن العشب تسبب في مشكلات صحية لأكثر من 1600 شخص، بما في ذلك حالات من هبوط أو فشل في القلب· وهو ما يؤكد النتائج التي توصلت إليها دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسسكو على 140 شخصا تعرضوا لأعراض سلبية شديدة بسبب تعاطيهم لمقويات غذائية ومنشطات تحتوي على مادة الإيفدرين، العنصر النشط في عشب الإيفيدرا· حيث أظهرت الدراسة أن مادة الإيفدرين، كانت السبب خلف الإصابة بالأزمات القلبية والذبحات الصدرية والسكتة الدماغية وارتفاع ضغط الدم في أكثر من ثلث الحالات· ومن بين تلك الحالات، توفي ثلاثة أشخاص، بينما تعرض سبعة إلى تلف صحي دائم، واحتاج أربعة آخرون إلى علاج مكثف لفترة طويلة·
هذا الخبر والإحصائيات المرافقة له، يظهران مدى خطورة الأعراض الصحية التي قد تنتج عن تناول الأعشاب كجزء من نظام لفقدان الوزن، أو لأي سبب طبي آخر· فالاعتقاد العام بأن تعاطي الأعشاب الطبيعية لا ينتج عنه أذى أو خطر بالغ، هو اعتقاد خاطئ· فبعض هذه الأعشاب حتى ولو كانت طبيعية بنسبة مئة في المئة، وتم جنيها من جبال اليمن أو من سفوح الصين، قد تحتوي على مركبات كيميائية شديدة الفاعلية· وحتى الأعشاب التي لا تشكل خطراً صحياً مباشراً، لا يوجد في الكثير من الأحوال ما يدعم فوائدها، وتصبح ساعتها مجرد إهدار للمال دون فائدة تذكر· فعلى سبيل المثال نشرت في بداية شهر ديسمبر الماضي دراسة أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة واشنطن بولاية سياتل الأميركية، أظهرت أن الاعتقاد السائد بأن عشب (Echinacea) والشائع الاستخدام للوقاية من وعلاج نزلات البرد والتهابات الجهاز التنفسي لدى الأطفال، هو اعتقاد خاطئ تماماً· فمن بين الخمسمائة طفل الذين أجريت عليهم الدراسة، لم يجد الأطباء أية فروقات في عدد مرات العدوى أو شدة الأعراض أو طول فترة المرض بين الأطفال الذين كانوا يتناولون العشب باستمرار وبين أقرانهم الذين لم يتناولوه بالمرة· بل على العكس زادت نسبة ظهور الطفح الجلدي بين من تناولوا العشب (7.1%)، وبين من لم يتناولوه من الأطفال (2.7%)·
مثل هذه الدراسة تظهر مدى مشكلة المصداقية التي يعاني منها استخدام الأعشاب كأسلوب في العلاج، وخاصة في ظل عدم وجود العدد الكافي من الدراسات العلمية المنظمة والمنقحة، التي يمكنها دعم الإيجابيات والفوائد التي يمكن لمثل هذا الأسلوب في العلاج أن يمنحها للجنس البشري في معركته الأبدية مع المرض· وفي الوقت نفسه يوجد عدد لا بأس به من الدراسات الحديثة التي تثبت خطأ بعض الممارسات الشعبية، بل وخطرها أحياناً· وهو ما يتطلب منا أن نتعامل بحرص مع هذا النوع من الطب· وخصوصاً نوعيات من يمارسونه ويدعون علمهم الغزير بأركانه وجوانبه· ففي الكثير من الحالات مثلاً، يجهل ممارسو العلاج بالأعشاب طبيعة المكونات الكيميائية جميعها في العشب المستخدم لعلاج مرض ما، ولا يعون أيضاً أثر تلك المركبات قصير وطويل المدى على المريض أو على أمراض أخرى يكون مصاباً بها في الوقت نفسه· وهناك أيضاً حقيقة أن تعريض العشب غير السام للغلي أو الحرق أو الخلط بأعشاب أخرى تحتوي هي الأخرى على مواد كيميائية، قد ينتج عنه مركب سام لم يكن موجوداً أساساً في العشب الأصلي· وكما ذكرنا لا يعني كون العشب منتجاً طبيعياً، خلوه بالضرورة من الأذى والسمية· فمن المعروف أن أكثر السموم فتكاً هي من نتاج كائنات ونباتات طبيعية، بل الحقيقة أن الإنسان حتى الآن بكل ما حققه من تقدم علمي، لا زال غير قادر على إنتاج سموم تضاهي في أثرها السموم الطبيعية·
هذه المحاذير المتعلقة بالطب الشعبي والعلاج بالأعشاب لا تعني تجاهل ممارساته والاستغناء عن خبراته المتراكمة، بل يجب أن تدفعنا إلى تطبيق أسلوب البحث والتحليل العلمي في التعامل معه، مع ضرورة زيادة الاستثمار في البحوث الموجهة نحو اكتشاف لآلئه· أحد ثمار مثل هذه الفلسفة في التعامل مع الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب، هو ما نشره في بداية هذا الأسبوع علماء كلية طب بايلور بجامعة هيوستن، والمتعلق باكتشافهم أن أحد أنواع الشاي الصيني يمكنه علاج اليرقان (الصفراء) ، وهو نفس ما كان الصينيون يطبقونه عبر آلاف السنين· وعلى رغم أن أسباب اليرقان كثيرة ومتعددة، إلا أن أهم حالات حدوثه هي في الأطفال حديثي الولادة· فكثيراً ما يصاب الطفل حديث الولادة بنوع من اليرقان، ناتج عن تكسر طبيعي للدم بعد الولادة· وعلى رغم أن هذه الحالة لا تتطلب في معظم الحالات أي تدخل طبي ما عدا تعريض الطفل للضوء، حيث تختفي تلقائياً بعد بضعة أيام، إلا أن ارتفاع نسب