في هذه المساحة تحدثنا الأسبوع الماضي عن حصاد العالم العربي عن عام 2003 المنقضي، واليوم ندخل بدايات العام الجديد 2004، لنستطلع أفق المستقبل في قراءة أو بالأحرى انطباعات سريعة تستفيد من تجربة الماضي وتحاول في ذات الوقت ألا تصادر على المستقبل، أو أن تغلق باب الاحتمالات المفتوح على أكثر من واقع ممكن للمنطقة العربية.
فبالنسبة إلى الوضع في العراق، يتوقع لسنة 2004 أن تكون سنة التحول الكبرى -أو هذا ما نرجوه- في اتجاه ترسيخ دعائم العراق الجديد، القائم على العدالة والديمقراطية، والذي يستعيد دوره الطبيعي في الساحة العربية، كعنصر فاعل ومصدر قوة للعمل العربي، وما ذلك على العراق بصعب، وهو البلد الذي حباه الله من الإمكانيات الكثير. ولن يتحقق ذلك إلا بتسليم إدارة شؤون العراق إلى حكومة عراقية منتخبة على أساس ديمقراطي ترضي تطلعات كافة الفئات والأطراف الاجتماعية والسياسية، والتي تسعى من أجل مصلحة العراق، ومن أجل العبور به من مأزقه التاريخي المزمن، متعالية على جميع جراح الأمس، وواعية بأن من يريد ردم آلام الماضي، لا يصلح له أن يحفر في تجاويف الذاكرة الجريحة.
وقد جاء إعلان الإدارة الأميركية عن استعدادها لتسليم السلطة إلى العراقيين في شهر يونيو 2004 مؤشرا إيجابياً على طريق المستقبل العراقي الواعد مع العام الجديد. ولكن لابد من تشجيع واشنطن ودفعها قدما في هذا المسعى من قبل العراقيين أنفسهم ومن قبل دول المنطقة، ولابد أيضا من الاستعداد لمتطلبات التحول الديمقراطي في العراق، لكي يتم بناؤه ذاتياً وعلى أساس راسخ.
أما لو تأملنا بقية آفاق العام الجديد خليجياً وعربياً فإن ثمة أكثر من إمكانية لتحقيق مكاسب تخرج منطقتنا العربية من وضعها الحالي، أو تسعى إلى تطوير هذا الوضع إلى الأحسن، على الأقل. وفي المقدمة هنا، تعزيز العمل الخليجي المشترك، والانتقال بهذا العمل إلى آفاق أوسع وأرحب، بحيث يصبح المشروع الخليجي مشروعاً أفقياً شعبياً، يقوم على علاقات تبادلية اقتصادية واجتماعية تمس حياة المواطن العادي اليومية في دول المنطقة، لا أن يظل مشروعاً عمودياً تعمل حكوماتنا وحدها على تحقيقه من فوق.
أما عربياً، فإن هذه السنة الجديدة ستكون حاسمة فيما يخص علاقات المنطقة بأكثر من طرف دولي، وتحديداً مع القطب العالمي الأوحد الولايات المتحدة الأميركية. إذ ليس خافياً أن هذه السنة سنة انتخابات رئاسية في واشنطن، وهامش المناورة المتاح للإدارة هناك محسوب وتحت مجهر الناخبين ودافعي الضرائب الأميركيين وهي بالتالي تتعامل مع القضايا الدولية بميزان حساس ومرهف، والمطلوب عربياً التعامل معها على نحو يسمح بالضغط عليها واقتناص مكاسب من توجهاتها، وأخص هنا ما يتعلق بصراع الشرق الأوسط، حيث نستطيع عمل الكثير لتحرير إدارة الرئيس بوش مما تعانيه من ابتزاز (اللوبي) الليكودي الذي يسعى مع (المحافظين الجدد) إلى تشكيل نوعية استجاباتها لتحديات المنطقة، وبشكل لا يخدم مصالحنا العربية. فلنتصرف نحن في المتاح ولنقرأ مفردات الواقع الدولي -والعربي أيضا- مع مطلع السنة الجديدة، لتحقيق ولو الحد الأدنى من مصالح منطقتنا العربية. حتى لا يكون عامنا الجديد كعامنا الذي ولّى.