في جلسته التي عقدها بتاريخ 30 ديسمبر 2003 ناقش المجلس الوطني الاتحادي مذكرة توصيات مرفوعةً إليه من هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية (تنمية). وبعد نقاش مستفيض توصل المجلس إلى توصيات عديدة تتلخص في مجملها في إقرار وتدعيم تلك التوصيات المحالة إليه من (تنمية) والتي وصفت بأنها استراتيجيات وتم تدعيمها ببعض الإضافات والتعديلات. والتساؤلات التي تطرح ذاتها في شأن قضية التوطين هي: ما هو حجم المشكلة (أي هل نقصد بالعاطلين عن العمل من المواطنين كافة المواطنين الراغبين في الحصول على فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم وقدراتهم واستعداداتهم والجادين في البحث عنها والذين تتراوح أعمارهم ما بين 18-65 سنة مثلما يعرف العالم كله البطالة، أم أن لنا مفهوماً آخر في تعريفها؟)، وما هي أنواع البطالة الموجودة في الإمارات (هل هي بطالة هيكلية، أم بطالة احتكاكية؟ أم بطالة دورية؟ أم بطالة موسمية؟ أم بطالة مقنعة؟ أم بطالة سياسية؟ أم بطالة إدارية؟ أم بطالة اجتماعية؟)· هل نحن بحاجة إلى القيام بعملية تخطيط للقوى العاملة أم أن آلية السوق كفيلة بحل هذه المشكلة؟ في الحقيقة أن واقع الحال يوضح بكل صراحة بأن آلية السوق لا يمكن لها أبداً أن تحل قضية البطالة ، وذلك نظراً لاتباع القوة العاملة الأجنبية وبدعم متواصل ومدروس من دولها سياسة الإغراق في أسواق العمل الخليجية بشكل عام. مما يعني أن الأفراد لا يمكن لهم أبداً التصدي لتلك السياسات وأن الدعم الحكومي يصبح حينها مطلبا أساسياً. وبالتالي فإن عملية تخطيط القوة العاملة تصبح مطلباً استراتيجياً حيوياً مهماً لا غنى عنه· فهل قامت الدولة بتخطيط القوة العاملة وذلك بوضع استراتيجية عامة وشاملة مبنية على نموذج اقتصادي كلي، وآخذةً في الاعتبار كافة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية والسياسية والإدارية والثقافية والتربوية والأمنية؟ ثم هل قامت بوضع خطة متضمنةً سياسات اقتصادية وسياسات عمل متضمنةً برامج وخططا فرعية من أجل حصر هذه المشكلة وتشخيصها بشكل دقيق ومعرفة أسبابها الحقيقية، ومن ثم طرق العلاج المناسبة اللازمة لحلها. فإذا تم تكليف هيئة (تنمية) بالدراسات والبحوث والمسوحات الميدانية اللازمة في سوق العمل، واجتهدت في ذلك الأمر، فهل هي مكلفة أيضاً بوضع الخطط المناسبة ووضع الاستراتيجيات لعلاج المشكلة؟ وهل هي مجهزة بالسلطات والصلاحيات والإمكانيات التي تؤهلها للقيام بمثل هذه المهمة؟. إن هيئة (تنمية) بمستوى إمكانياتها وتجهيزاتها الحالية، فضلاً عن قانون إنشائها وما تضمنه من صلاحيات مخولة لها، لا تستطيع أن تقوم بدور الجهاز الإداري المخطط للموارد البشرية والقوة العاملة الوطنية. وأعتقد أن الوقت قد حان لإنشاء وحدة إدارية مستقلة (وقد يعاد تأهيل (تنمية) لذلك) وقد تسمى (الهيئة العامة لتخطيط وتنمية القوى العاملة الوطنية) وتمنح سلطات وصلاحيات واسعة في تخطيط القوى العاملة الوطنية وتنميتها وتأهيلها وإعادة تأهيلها، وتوفير فرص العمل المناسبة لها. ويتم إقامة جسور وروابط إدارية بين هذه الهيئة من جهة وكافة المؤسسات التعليمية في الدولة وقد يكون ذلك عن طريق وزارة التعليم العالي. ويتم تجهيز هذا الجهاز الإداري بكافة ما يلزمه من إمكانيات إدارية وتنظيمية ومده بالصلاحيات اللازمة والتي تمكنه من تنفيذ خططه المعتمدة وفرض سلطته وتنفيذ سياسات العمل اللازمة والتي تتفق مع الأهداف العامة للدولة. إن قضية البطالة بين المواطنين قضية كبيرة وتحتاج إلى جهاز إداري قوي ليتمكن منها ويسيطر عليها . فهي قضية تتعلق بمصير أمة بأسرها. وهي قضية تعنى بالموارد البشرية بشكل مباشر فلا بد لها من جهاز إداري يتناسب مع حجمها. ويجدر التذكير هنا بقول المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
أي بمعنى آخر لا بد لنا من حمل قضية توطين القوة العاملة محمل الجد وعدم الاستهانة بها إطلاقاً. حيث إن واقع الحال يقول إنها قضية وطنية كبيرة ومتنامية وتستحق منا مجهوداً أكبر بكثير مما نبذله تجاهها الآن. حيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد سكان الإمارات قد ازداد من 557,887 نسمة في عام 1975 إلى 1,042,009 نسمة في عام 1980، أي بمعدل نمو سنوي بلغ 12,5% ويرجع معدل النمو المرتفع للسكان إلى الهجرة الأجنبية إلى مجتمع الإمارات والتي ارتبطت بالتنمية الاقتصادية. بيد أن الدولة قد تمكنت في السنوات اللاحقة من السيطرة إلى حد كبير على تيارات الهجرة المتدفقة إليها وتخفيض معدل النمو السنوي للسكان إلى 5,6% ليصل عدد السكان في عام 1995م إلى 2,411,014 نسمة، ويقدر عدد السكان حسب إحصائيات عام 2001 بحوالى 3,488,000 نسمة. ويعتبر معدل النمو هذا (أي 5,6%) من أعلى معدلات النمو في العالم، حيث إن معدل النمو العالمي للسكان خلال الفترة 1990 -2000 قدر بحوالى 1,4% حسب إحصائيات الأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن معدل النمو الطبيعي للسكان (أي نمو