يأتي سقوط 63 صحفياً في العام المنصرم 2003 الملتهب بأحداثه وتوتراته (أكثر من ثلثهم في العراق وحده)، دليلا جديداً على الحرب المنظمة ضد الحقيقة التي تشنها قوى الشر والطغيان والظلام، التي تضع على رأس أولوياتها حجب حقائق الأوضاع في العديد من مناطق وساحات الظلم والعدوان وانتهاك حريات الشعوب وحقوق الانسان في غير منطقة من العالم·
وجاءت هذه الحصيلة المفزعة التي تمثل ضعف عدد الضحايا الذين سقطوا في العام 2002- 19 صحفياً، لتؤكد مخطط التصعيد المستمر في تلك الحرب القذرة ضد الحقيقة، يستوي في ذلك الحكومات الديكتاتورية التي تتفنن في قمع كل من يسعى لإيصال الحقائق إلى أكبر عدد ممكن من أبناء شعبه والعمل على توعيتهم بشأن مايدور في بلدهم، أو اي قوة احتلال غاشمة تسعى لتصفية قضية شعب تحتل أرضه وتفرض عليه أجندتها النازية الباغية، متذرعة في بعض الأحيان بشعارات براقة خادعة لا يصدقها حتى من يطلقها·
ومع سقوط عدد كبير من هؤلاء الصحفيين ضحية للقتل العمدي وبدم بارد من قبل حكومات وقوات اختارت استخدام آليتها العسكرية الغاشمة ضد حملة الأقلام والكاميرات دون أن يقدم قتلتهم للمحاكمة على جرائمهم، فإن الحصيلة مرشحة دائما للتصاعد في ظل استمرار الحروب العدوانية التي تعتمد تغييب الحقيقة بنداً رئيسيا من بنودها وأداة حيوية من أدوات نجاحها في تحقيق أهدافها بعيدا عن أعين العالم ودرءاً لغضبه وانتقاداته·
وتبقى حقيقة أن تصاعد العدوان المتعمد على الصحفيين والجرائم الوحشية التي ارتكبت بحقهم خلال عام 3002، بدءاً من تقييد حرياتهم والمضايقات والتحرشات البدنية والنفسية التي تعرضوا لها في ساحات عملهم، ووصولاً إلى تهديد حياتهم وإهدار دمائهم، لم يعد مقتصرا على قوى اشتهرت بعدوانيتها وارهابها للصحافة التي تفضح ممارساتها كما هو حال اسرائيل على الساحة الفلسطينية، وانما حدث وزادت حدته العام الماضي بتورط قوى كبرى لطالما صدعت أركان الدنيا بحديثها عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومن أهمها حقه في التعبير وحرية تدفق المعلومات وعدم حجب الحقائق في القارة الكونية الصغيرة، ولكنها شاركت عمليا وبطريقة مباشرة في ارتكاب هذه الجرائم·
وفي ظل استمرار الأوضاع الملتهبة التي ورثها العام الجديد عن سابقه، فإن هذه الجرائم مرشحة للتصاعد مما يتطلب وقفة صارمة من المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته لمنع ذلك المخطط الدموي الهادف إلى حجب المعلومات وتزييف الوقائع وتقديم صورة مشوهة لحقائق الواقع تجسد بكل قوة معنى وهدف الحرب على الحقيقة.