كثرت، في الآونة الأخيرة، التفسيرات العربية والإقليمية والدولية للمبادرة الليبية بشأن تخليها عن أسلحة التدمير الشامل وعن الصواريخ التي يتجاوز مداها ما هو مسموح به دولياً (أي أكثر من 300 كلم) وعن التزامها بمعاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الملحق بها ومعاهدة الحد من التسلح ومعاهدة منع انتشار الأسلحة الكيميائية.
ومن المعروف أن أسلحة التدمير الشامل تشمل أربعة مجالات هي الأسلحة النووية والأسلحة الكيميائية ومثيلتها الجرثومية إلى جانب وسائل إيصال هذه الأسلحة وهي الصواريخ بعيدة المدى والمدفعية ذات المواصفات المحددة.
ومهما تعددت التفسيرات فإن التفسير الأساسي وهو تضييق الخناق على الإسرائيليين -وحسب تعبير الرئيس معمر القذافي: تشديد الخناق- كي يكشفوا عن برامجهم وعن أسلحتهم للتدمير الشامل، يبقى هو الأصل والمحك الفعلي لموقف إسرائيل من جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل، ولموقف الإدارة الأميركية من جميع جهودها التي تبذلها حتى الآن من أجل تحقيق هذا الغرض. وكانت الإدارة الأميركية أوشكت على أن تعتدي على إيران بسبب شكها وشك إسرائيل في أن تكون إيران قد امتلكت فعلا سلاحا نوويا أو على وشك امتلاكه، لولا أن إيران أدركت خبث هذه الخطة عندما وقعت البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وبذلك تجنبت إيران في الوقت الحاضر احتمال الاعتداء عليها من قبل الإدارة الأميركية أو من قبل إسرائيل التي طلبت الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية لتقوم بعدوانها.
ومن المعروف أيضاً أن إسرائيل تمتلك حتى منتصف عام 2002 أكثر من 400 قنبلة نووية، بين قنابل هيدروجينية ومدفعية وألغام، وكان (مركز مكافحة انتشار الأسلحة النووية التابع لسلاح الجو الأميركي) نشر تقريراً عن ذلك على شبكة الانترنت. وعلى هذا فليس صحيحاً ما ورد في غير ذلك من الكتب والمراجع المعتمدة أن لدى إسرائيل ما يفوق 100 رأس نووي. ويشير التقرير الأميركي إلى امتلاك إسرائيل حوالى 50 إلى 100 من صاروخ (أريحا-1) و30-50 من صاروخ (أريحا-2) وذلك لإيصال السلاح النووي إلى هدفه.
وليس خافياً أن قدرة قنبلة هيدروجينية تقدر بمئة إلى ألف مرة أشد من قدرة القنبلة النووية العادية. وهي -أي القنبلة الهيدروجينية- معقدة الصنع وباهظة التكلفة. وتملك مثل هذه القنبلة الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين، في حين أن إسرائيل توجهت نحو صنع قنابل نووية صغيرة، لاعتقادها بأن هذا النوع من القنابل مفيد لصد هجوم موضعي أو لاستخدامه كألغام أو قنابل مدفعية.
وما زاد الطين بلة أن إسرائيل تمتلك الآن ثلاث غواصات ألمانية من نوع (دولفين) تساعدها على أن توجه الضربة النووية الثانية إذا ما استطاعت إحدى الدول العربية ضرب إسرائيل نوويا.
وتحاشياً لاحتمالات استخدام السلاح النووي في أي صراع مستقبلي في منطقة الشرق الأوسط قدمت سوريا مشروع قرار إلى مجلس الأمن يقضي بجعل المنطقة خالية من أسلحة التدمير الشامل، حيث لا توجد سوى إسرائيل مالكة لهذا النوع من أسلحة التدمير الشامل، وهو السلاح النووي. ومشروع القرار هذا كاشف لعزيمة الإدارة الأميركية، فيما إذا كانت تنوي إخلاء منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا من أسلحة التدمير الشامل، أم أنها تضمر غير ما تعلنه، مثل ما فعلت بقرار مجلس الأمن رقم 1405 في 19/4/2002 القاضي بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق حول الأحداث التي جرت آنذاك في مخيم جنين للاجئين، تلك الأحداث التي سببتها الحرب الإبادية الإسرائيلية لمدينة جنين ومخيمها. ويومذاك إذ رفضت إسرائيل استقبال اللجنة والتعاون معها استطاعت الإدارة الأميركية أن تحل اللجنة وأن تمنع توجهها إلى إسرائيل. وقد تم ذلك الحل والمنع بصمت وسكت مجلس الأمن عن ذلك بعد أن عطلت الإدارة الأميركية تنفيذ القرار.