عندما نشر استطلاع للرأي أجراه الاتحاد الأوروبي وكانت نتيجته أن 59% من الأوروبيين يعتبرون إسرائيل خطراً على السلام العالمي وكذلك أميركا، قامت قيامة إسرائيل وهددت الاتحاد وطالبت بمزيد من الاجراءات ضد عدد من الدول الأوروبية معتبرة أن العداء للسامية يزداد فيها بشكل خطير·
اليوم تنشر الصحف الأميركية تقريراً بعنوان: (استطلاع يهودي ) صادر عن رابطة مكافحة القذف والتشهير وهي مجموعة يهودية يبين استطلاعها أن 43% من الأميركيين قلقون من خطر إسرائيل على السلام العالمي·
نحن كعرب ومسلمين لسنا بحاجة إلى استطلاعات تؤكد هذا الخطر لأننا نعيشه منذ عقود ولأن ممارسات الارهاب الاسرائيلي المنظم على مستوى الدولة لم تتوقف بل تزداد وحشية وتتنوع أساليبها وتتطور· لكن نشر الاستطلاعين الاوروبي والأميركي لا بد أن يثير أسئلة عديدة منها:
كيف ستتعامل أوروبا مع هذا الخطر؟ وكيف ستتعامل أميركا معه، وأبناؤها يحذرون منه وبعضهم حسب الاستطلاع ذاته (37% ) يعتبر أن بلدهم يشكل أيضاً خطراً على السلام العالمي؟
كيف سيتعامل العالم مع هاتين الحالتين الخطيرتين المهددتين له؟ وهل يمكن أن يستقر أمن وسلام وتكون تنمية وحرية وديمقراطية وحقوق انسان وعدالة ومساواة في ظل هذين الخطرين ولا أحد يعرف متى ينفجر صاعق حرب هنا أو هناك بفعل مصالح هذه الدولة الخطيرة أو تلك؟
كيف سيتعامل العرب والمسلمون مع إسرائيل وأميركا؟ عندما يرون يهوداً وأميركيين يحذرون من خطر هاتين الدولتين؟ ولا أقول كيف ستتعامل أميركا واسرائيل مع نتائج الاستطلاعين المذكورين؟
فالأميركيون في إدارة الرئيس بوش لا يهتمون لكل ذلك· فهم يعتبرون أنفسهم مكلفين بمهمة إلهية لإنقاد العالم· ومؤخراً صدر كتاب في أميركا بعنوان:(ما بعد العراق) يؤكد هذه المهمة ويدعو المسؤولين الأميركيين إلى مزيد من التمسك بالثوابت الدينية في إدارتهم لشؤون العالم· وهو كتاب يربط بين تأسيس إسرائيل وأحداث العراق لأن العهد الجديد يقول أيضاً إن حاكماً من العراق سوف يغزو إسرائيل ويحتلها، ثم يعود المسيح!
وتأتي هذه الدعوات والنظريات بعد مواقف بات روبرتسون القريب من صاحب الكتاب الجديد، ومواقف جاري فولويل والاثنان انتقدا الاسلام كدين للمسلمين ويدعوان دائماً إلى مواجهتهم انطلاقاً من الخلفية الدينية للصراع· وعلى رغم بعض الإشارات أو التصريحات التي تصدر عن بعض المسؤولين الأميركيين فإن النزعة الدينية المتطرفة لا تزال هي المسيطرة على توجهات ما يسمى بالصقور في إدارة الرئيس بوش·
أما الاسرائيليون فقد هاجموا أوروبا سابقاً، ويهاجمونها اليوم ويحذرون من خطر >أسلمتها< معتبرين أن عدد المسلمين في أوروبا هو إلى ازدياد، وسيغير وجهها ومعالمها وستكون سيطرة إسلامية على مواقع القرار في القارة الأوروبية! وبالتالي، لا أميركا تقف عند نتائج استطلاع يعتبرها خطراً على السلام ولا إسرائيل كذلك ،بل تخوض كل منهما حرباً جديدة وتفتعل ذرائع وأساليب جديدة لتبرير الحرب· وتتكامل الإدارتان والإرادتان الأميركية والاسرائيلية في هذا المجال· فعندما طرح موضوع خطر الأسلحة النووية، وبعد مبادرتي إيران وليبيا، والاعلان عن اجتماع مرتقب بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وروسيا واليابان والصين وأميركا للوصول إلى اتفاق حول معالجة الأسلحة النووية الكورية الشمالية راح الجميع يتساءل: ماذا عن اسرائيل؟ فأجابت أميركا: إن المطلوب من سوريا وقف تسلحها· سألت ســـوريا ماذا عن إسرائيل؟ فأجابت أميركا: هذا الموضوع تسأل عنه الحكومة الإسرائيلية·
قدمت سوريا مشروعاً إلى مجلس الأمن لاعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل· اعترض الأميركيون وقالوا: هذا كلام· الموضوع يعالج عندما يتم توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل!
لماذا لم يترك هذا الأمر للحكومات الأخرى، لتقول رأيها وتطمئن إلى توقيع اتفاقات سلام مع من يهددها؟
لماذا هذا التخصيص لإسرائيل ودعمها وتمييزها عن كل العالم إذاً؟
وكيف يمكن بناء سلام وأمن واستقرار وفق معايير مزدوجة أو متعددة الوجوه في النظر إلى قضايا واحدة؟
ولم تكتف أميركا بذلك بل أطلقت كلاماً واضحاً على لسان عدد من المسؤولين تؤكد فيه أن إسرائيل لن تكون الدولة المقبلة في التخلص من أسلحة الدمار الشامل! لأن المطلوب أميركياً ان تتخلص إسرائيل من الانتفاضة، ومن كل مواقع الممانعة والمطالبة بتطبيق القرارات الدولية واحترام الشرائع والهيئات الدولية والقانون الدولي وحقوق الشعوب في تقرير مصائرها وتأكيد سيادتها على أرضها، وحقوقها في التنمية والتطور والتقدم أيضاً! لماذا يجري ما يجري؟
بكل بساطة الجواب عند موشيه يعلون رئيس أركان الجيش الإســرائيلي الذي قال منذ أيام: (لم يعد ثمة شيء اسمه عالم عربي· لا يوجد شيء اسمه تحالف عربي· هناك لاعبون ولكل منهم مصلحته الخاصة والجميع يعرف أن في عالمنا الأحادي القطب كل من يريد أن يعتبر جزءاً من القرية الكبيرة عليه أن يكون مرتبطاً بالولايات المتحدة وليس أي حلف آخر(··· )النظرة ال