من السهل إدانة الأحداث واستعمال أقصى العبارات ضد فاعليها وإطلاق (الماينبغيات) الأخلاقية وبيان الواجبات على الناس· وهذا لن يغير من الواقع شيئا· ولن يمنع من تكرار الأحداث· مثال ذلك الموقف من الإرهاب بالشجب والإدانة والاتهام والتوعد بالسيف دون الفهم بالقلم· والعالم كله يدين ويشجب الإرهاب منذ عقود من الزمان· وكثرت أحكام الإدانة في السنوات الأخيرة بعد حوادث واشنطن ونيويورك والخبر وأحياء غرناطة وأشبيلية والمحيا في الرياض· ولم يتوقف الإرهاب· بل إن خطورته تزداد· وفي أعياد الميلاد هذه الأيام ترفع درجة التأهب والحذر، وتلغى الرحلات الجوية، ويكتم العالم أنفاسه، وتبلغ القلوب الحناجر، تحسبا لعمليات إرهابية وتوقعا لها·
والإرهاب ظاهرة معقدة تستدعي التحليل والفهم والحياد، إرهاب من ضد من؟ إرهاب الأفراد أم إرهاب الدول؟ قتل الأبرياء والمدنيين أطفالا ونساء وشيوخا أم المقاومة الوطنية المشروعة دفاعا عن الاستقلال؟ الإرهاب المرئي، إلقاء قنبلة في مبنى عام وتفجير منزل أم الإرهاب اللامرئي وجعل المواطن ضحية جميع أشكال العنف في حياته من نظم وقوانين لم يخترها والعذاب الذي يلقاه لإشباع حاجاته الأساسية ولا يملك إلا الصراخ؟ الإرهاب كرد فعل على إرهاب آخر، وكنوع من الدفاع عن النفس أم الإرهاب البادئ كفعل وعدوان؟ إرهاب الجلاد للضحية أم صراخ الضحية من الجلاد؟ إرهاب الدول الصغيرة التي تحاول الدفاع عن حريتها واستقلالها أم إرهاب النظام العالمي الجديد الذي تسيطر عليه القوى الكبرى والعالم ذو القطب الواحد، إرهاب المركز على الأطراف باسم العولمة؟
وقد وقع اعتداء على وزير خارجية مصر في ساحة المسجد الأقصى· وتدل بعض الشواهد، إدخال الإسرائيليين له من باب المغاربة وانتظار الفلسطينيين من باب آخر، على أن الاعتداء وقع بتدبير إسرائيلي لإحداث وقيعة بين مصر والسلطة الوطنية الفلسطينية، وفك الارتباط بين مصر والقضية والفلسطينية· إذ تتهم إسرائيل مصر دائما بأنها وراء (التشدد) الفلسطيني، وبأنها هي التي نصحت ياسر عرفات في كامب ديفيد الثانية بعدم قبول ورقة كلينتون، لأن القدس أمانة في عنق كل المسلمين وليس فقط الفلسطينيين· فمصر وإن لم تتدخل بالسلاح لوقف النزيف الفلسطيني على مدى ثلاث سنوات وهي التي دخلت أربع حروب في سبيل القضية الفلسطينية إلا أنها مازالت تمارس دورها بالسياسة وليس بالحرب، فالسياسة أحد أشكال الحرب طبقا للقول المعروف·
ربما كان العرب عامة والفلسطينيون خاصة ينتظرون من مصر أكثر مما تعطي· فهي الشقيقة الكبرى التي قدرها حمل قضايا العرب، الاستقلال وبناء الدولة· وهي قائدة الحرب ورائدة السلام· والانتفاضة طالت، وما زالت مستمرة، وحيدة باستثناء العون المادي المحدود والمعنوي بلا حدود· فهي التي ما زالت ترفع هامة العرب مع (حزب الله) في طرده المحتل الصهيوني من جنوب لبنان· ربما كان الكل ينتظر من مصر أكثر من دور الوسيط بين الفلسطينيين من ناحية، والإسرائيليين والأميركيين من ناحية أخرى· صحيح أن مصر عُرفت بالاعتدال والعقلانية والاتزان بعد أن عانت من المغامرات غير المحسوبة وغير المسؤولة في الجمهوريتين الأولى والثانية· وصحيح أيضا أن الحذر المطلق مياه آسنة لا تتحرك، سرعان ما تفسد وتقتل ما فيها من أسماك· ومصر هي خيط العقد إن انقطع أو غاب تنفرط حبات العقد كلها· وهي القلب الذي إن توقف عن النبض، توقفت الحياة في سائر الأطراف·
زيارة للسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها في رام الله كان بإمكانها الحفاظ على التوازن بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يعترف بالسلطة ولا برئيسها، ورد الاعتبار للفلسطينيين وليس فقط الحوار بين فصائل المقاومة من أجل التوحيد بينها وتكوين مجلس للأمن القومي قادر على التفاوض على مصير فلسطين·
والقدس تحت الاحتلال· وقد تكون زيارتها من مسؤول عربي اعتراف بالاحتلال وإضفاء الشرعية عليه· لذلك تساءل القدماء، علماء أصول الفقه وعلماء أصول الدين: هل تجوز الصلاة في الدار المغصوبة؟
عرض علماء أصول الفقه لهذا السؤال وهم بصدد البحث عن استحالة الجمع بين الحظر والوجوب في فعل واحد من جهة واحدة لتقابل حديهما إلا على رأي من يجوز التكليف بالمحال، وهو باطل بإجماع الأمة· والخلاف هل يجوز انقسام النوع من الأفعال إلى واجب وحرام من جهتين كوجوب الفعل المعني الواقع في الدار المغصوبة من حيث هو صلاة وتحريمه من حيث هو غصب شاغل لملك الغير؟ الصلاة واجبة والاحتلال محظور· ولا يجتمع الفعلان في فعل واحد من وجه واحد·
قال الجبائي وابنه أبو هاشم والقاضي أبو بكر وأحمد ابن حنبل وأهل الظاهر والزيدية وقيل إنه رواية عن مالك· قالوا: الصلاة في الدار المغصوبة غير واجبة ولا صحيحة ولا يسقط بها الفرض ولا عندها ووافقهم على ذلك القاضي أبو بكر إلا في سقوط الفرض فإنه قال يسقط الفرض عندها لا بها مصير أمنهم إلى أن الوجوب والتحريم إنما يتعلق بفعل المكلف لا بما ليس من فعله، والأفعال الموجودة من المصلي في الدار المغصوبة أفعال اختيارية م