··· وهكذا انقضى العام دون أن يصل الطرفان (الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان) إلى اتفاق ينهي محادثاتهما التي تواصلت لنحو عامين· وبهذا لم يتحقق تقدير الدولة العظمى التي ترعى هذه المساعي والتي كان مسؤولوها يأملون أن يتم الوصول إلى المرفأ الأخير قبل أن ينقضي عام 2003· لقد انصب إلحاح واشنطن على تحقيق ذلك الهدف منذ شهرين أو أكثر، ولعل إلقاء القبض على الرئيس العراقي السابق وما يمثله ذلك من انتصار لإدارة الرئيس بوش قد أغنى تلك الإدارة عن السعي لانجاز نصر ما في الأزمة السودانية في ذلك الموعد· لقد أعطى اعتقال صدام دفعة لا بأس بها لشعبية الرئيس جورج بوش التي تعاني من تدن واضح، ولهذا فلا ضير في أن يجيء تحقيق السلام في السودان في وقت لاحق ليساهم بدوره في رفع مستوى تلك الشعبية· وإذا أخذنا بجدية التصريحات التي يطلقها عادة كبار المسؤولين فإن المتوقع أن تنتهي تلك المفاوضات ويحسم أمرها في وقت لا يتجاوز الأسبوع الأول أو الثالث من شهر يناير الحالي 2004· هذا هو ما بادر إلى التبشير به الرئيس السوداني عمر حسن البشير في أهم تصريح أدلى به قبل انقضاء عام 2003 وهو في زيارة رسمية للعاصمة الأثيوبية أديس أبابا·
ومع اقتراب يوم التوقيع النهائي على الاتفاق الثنائي الذي يتوقع أن يحتفل به في العاصمة الأميركية، فإن خلايا النشاط السياسي الحزبي في داخل السودان تزداد حيوية وحركة استعداداً للمرحلة المقبلة بتداعياتها ومتطلباتها البالغة التعقيد والدقة·
كثر الحديث عن إمكانية التحالف بين طرفي الاتفاق ليتولى تحالفهما قيادة السودان خلال المرحلة الانتقالية كلها أو إلى حين إجراء انتخابات عامة تحت ظل نظام تعددي· وفي هذه النقطة بالتحديد، أي تحالف الطرفين يتضح لمن يقرأ الأحداث جيداً أن الإسلامويين هم الأحرص والأكثر سعياً لتحقيق الحلف، في حين أن حركة قرنق تقول إنها لا تؤمن بإمكانية قيام تحالف بين الطرفين ولكن ذلك، فيما يرى قادة هذه الحركة، لا يمنع ولا يتعارض مع قيام تفاهم بين الطرفين لتنفيذ بنود الاتفاق الذي سيوقعه الطرفان· ومعلوم للجميع أن القناعات الأيديولوجية لكل من الطرفين متناقضة بصورة يستحيل الجمع بينهما· فجماعة >الإنقاذ< الحاكمة حزب سياسي عقائدي يعلن أن مرتكزاته هي الشريعة الإسلامية وأنه لم ولن يتخلى عن ذلك، في حين أن حركة قرنق تعلن بوضوح أنها حركة علمانية لا شأن لها بالديانات التي يدين بها أعضاؤها، ثم إن لهذه الحركة تحالفات موثقة بعهود معلومة بينها وبين قوى سياسية أخرى ذات شأن هي القوى التي يضمها التجمع الوطني الديمقراطي المعارض·
وشتان بين (التحالف) الذي تسعي وتأمل في تحقيقه جماعة (الإنقاذ) وبين الشراكة في الحكم لتنفيذ اتفاق بعينه لا أكثر ولا أقل وفي ما ترى الحركة الشعبية لتحرير السودان· ولهذا فإن الجدل أو الحوار سيستمر بين هذين الطرفين حتى بعد توقيع الاتفاق النهائي، وهو جدل يصعب التكهن بنتائجه الأخيرة في هذه المرحلة·
أما القوى السياسية الأخرى والتي لم يسمح لها بالمشاركة المباشرة في المفاوضات فإنها هي بدورها تنشط الآن وتتشاور فيما بينها ومع الآخرين ليصل كل إلى نوع التحالف الذي يناسبه للمرحلة القادمة· وسأحاول إلقاء الضوء على ذلك الجانب في مقال لاحق·