برويز مشرف: أكلّ ذلك من أجل كشمير؟


 لعل محاولة الاغتيال الثانية التي تعرض لها الرئيس الباكستاني برويز مشرف، خلال أقل من عشرة أيام، جلبت له، فيما يبدو، ما كان يحتاجه من تعاطف داخل برلمان البلاد الذي سارع الاثنين الماضي إلى إقرار تعديلات دستورية تمنح صلاحيات واسعة للرئيس مشرف، وتمكنه من الاحتفاظ بمنصبه كقائد للجيش مدة عام آخر. ثم صوت البرلمان مرة أخرى، بنسبة 60 في المئة من أعضاء الغرفتين، على منح الثقة لمشرف من أجل الاستمرار في حكم باكستان حتى عام 2007·


وفيما تشير بعض أصابع الاتهام في المسؤولية عن محاولتي اغتيال برويز مشرف إلى متشددين كشميريين، وذلك ردا على إجراءات تضييق اتخذتها حكومته ضد جماعات كشميرية دأبت الولايات المتحدة على نعتها بالإرهاب، تفيد المعلومات المتوفرة حول ماضي برويز مشرف، أنه قاتل في حربين بسبب النزاع على كشمير التي تعد جزءاً من العقيدة العسكرية للجيش الباكستاني، بل انقلب على الحكومة المدنية المنتخبة، لأسباب تتعلق بكشمير، فما الذي تغير بين الأمس واليوم؟ عندما انعقدت قمة(أجرا) في الهند بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي في يوليو 2001، كان يكتمل العام الرابع والخمسون على انتقال عائلة مشرف من دلهي القديمة، حيث باعت أملاكها العقارية، وغادرت إلى كراتشي، بعد مرور أشهر قليلة على التقسيم الدامي لشبه القارة الهندية، عقب استقلالها عن بريطانيا عام 1947، ثم قيام دولة باكستان.


 وأخفقت قمة (أجرا) لأسباب أهمها أن الهند رفضت التحدث مع برويز مشرف، باعتبار أنه يمثل تشدد العسكرية الباكستانية في الموقف من الصراع على كشمير. وبالفعل فان مشرف على دراية بأن ذلك الصراع ومجرياته على الحدود مع الهند، ترتبط به رياح السياسة في باكستان بحبل سري لم ينقطع منذ نصف قرن. فقد جرت ثلاث حروب بين البلدين، اثنتان منها حول كشمير شارك فيهما برويز في عامي 1965 و1971، وفي عام 1999 كان مشرف قائدا للجيش الباكستاني عندما وقع قتال عنيف بين البلدين على طول خط وقف إطلاق النار في كشمير. كما أن أربعة انقلابات عسكرية شهدتها باكستان منذ قيامها، وآخرها انقلاب الجنرال مشرف نفسه، كانت بسبب النزاع على كشمير. فقد تحرك الجيش يوم الثاني عشر من أكتوبر 1999، على خلفية المهانة التي تجرعها الباكستانيون إثر قرار لرئيس الحكومة نواز شريف بإجبار مقاتلي كشمير على الانسحاب من مرتفعات (كارجيل)، تحت ضغوط أميركية. في ذلك اليوم كانت طائرة تقل قائد الأركان المقال الجنرال برويز مشرف وهو في طريق عودته من زيارة إلى سريلانكا، وكان وقودها على وشك النفاد، لكنها لم تتمكن من الهبوط في قاعدة عسكرية قرب كراتشي، إلا بعد أن تحرك الجيش ونفذ انقلابه في نصف ساعة. وإن بقي الدافع وراء قرار رئيس الوزراء نواز شريف إلى إقالة قائد أركانه وهو في الجو ومنعه من النزول، غامضا وغير معروف، فان انقلاب 12 أكتوبر جاء ليعيد الجيش في باكستان إلى سدة الحكم بشكل مباشر، بعد (غياب) (في الظاهر) دام عشر سنوات منذ مقتل ضياء الحق في عام 1988· وحيث لم يعرف عن مشرف أنه كان ذو طموحات سياسية في السابق، إلا أن معارفه يصفونه بأنه (عسكري حتى النخاع). فبعد أن أنهى تعليمه الثانوي في كراتشي، التحق بالجيش عام 1964 وهو في سن الحادية والعشرين، ليتخرج من كلية الضباط في بلوشستان، ثم الكلية الملكية للدراسات الدفاعية في بريطانيا، قبل أن يتدرج في مناصب ورتب مختلفة داخل المؤسسة العسكرية، بدءا من الوحدات الخاصة ثم سلاح المدفعية ومنه إلى المدرعات ثم كتيبة المشاة. وإبان حكم رئيسة الوزراء السابقة بنازير تو عين مشرف قائدا عاما للعمليات العسكرية وظل في هذا المنصب إلى أن عينه رئيس الوزراء نواز شريف قائدا لأركان الجيش يوم 10 أكتوبر 1998، ليصبح أول قائد للجيش الباكستاني يتحدث الأوردية وينتمي إلى كراتشي. وعلى رغم أن أحزاب المعارضة أيدته حينها بحذر، إلا أنها وصفت قراراته اللاحقة بحل البرلمان وإلغاء الدستور، وحظر العمل السياسي، وفرض الطوارئ، ثم تنصيب نفسه رئيسا للدولة، وأخيرا الاستفتاء على تمديد بقائه في منصب الرئاسة خمس سنوات قادمة، و(الضغط على البرلمان)لتوسيع صلاحياته، ووضع قوانين لمحاربة خصومه على أنها خطوات تظهر(كيف يخطط للبقاء في السلطة مدى الحياة)، أي أنه يكرر خطط الجنرال أيوب خان، والجنرال ضياء الحق، حينما حكما بتأييد أساسي من الولايات لمتحدة. بيد أن برويز مشرف يشير كثيرا إلى أن أزمة باكستان ليست بسبب غياب الأحزاب السياسية أو قلة العمل السياسي، بل بسبب الفساد الذي هو جزء من ممارسات الطبقة السياسية.


وإن حملت تداعيات 11 سبتمبر 2001 بعض التهديدات التي أوشكت أن تقوض نظام الجنرال برويز مشرف، فإنه نجح خلال وقت قصير في أن يكسب رضا الإدارة الأميركية بعدما وصفته في السابق كـ(رئيس ضد الشرعية وغير دستوري)، لكنها سرعان ما شعرت بقلق على نظام