في أواخر نوفمبر 2003 عقدت هدنة جديدة بين الهند وباكستان حول منطقة كشمير المتنازع عليها· وحتى الثلاثين من نوفمبر بدت تلك الهدنة متماسكة وصامدة على طول الحدود المتنازع عليها في كشمير· وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية تصريحات لوزير الدفاع الهندي جورج فيرناندس قال فيها إنه توجد أسباب قوية للتصديق بأن وقف إطلاق النار هذا سيؤدي ببلاده وباكستان إلى النقطة التي يمكن لهما عندها إيجاد حل للمشكلة المعقدة التي ابتليتا بها لزمن طويل· ولكن يقابل ذلك أن أكبر الجماعات الإسلامية المسلحة التي تتخذ من باكستان مقراً لها قالت إنها لن تلتزم بالهدنة· وردت السلطات الهندية على ذلك قائلة إن المسلحين الذين ستراهم القوات الهندية يدخلون كشمير من باكستان ستطلق النار عليهم·
إن الهدنة الأخيرة تشكل متنفساً للبلدين في صراعهما الطويل في هذه المنطقة، ويبدو أنه توجد جدية في هذه التوجهات الجديدة بوقف الأعمال القتالية ربما تعود أسبابها إلى ضغوط خارجية قوية تمارسها الولايات المتحدة الأميركية وربما روسيا وبريطانيا على الطرفين لإيجاد حل سلمي للمشكلة· وربما يؤدي المؤشر الذي يبدو بسيطاً في شكله وهو تبادل الهدايا التذكارية بين ضباط باكستانيين وهنود على النقطة الحدودية الفاصلة بين الطرفين، إلى ما هو أبعد من ذلك بالنسبة لتفاهم السياسيين حول إيجاد حل جذري للمشكلة يرضي جميع الأطراف المتنازعة بما في ذلك الكشميريون ذاتهم، لذلك فإننا نعتقد أن الهدنة الحالية وما صاحبها من مظاهر احتفالية، وإن كانت بسيطة، هي ذات دلالات أبعد مما يبدو ظاهراً على السطح·
وفي الوقت الذي استمر فيه التصعيد العسكري، وإن كان يرتفع تارة ويخبو تارة أخرى، فإن اهتماماً قليلاً يولى حتى الآن بالأسباب التاريخية والقومية والوطنية التي تؤدي بالطرفين المتنازعين بمرارة للوصول إلى حافة هاوية الحرب الرابعة بينهما منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947· وفي هذه المرحلة فإن الحرب تكاد تنشب بين لحظة وأخرى في ظل حيازة كلا الطرفين لترسانة جديدة من القنابل النووية والصواريخ الحاملة لها· فالهند التي تهدد بمهاجمة باكستان رداً على هجمات مسلحة شنت على قواعد لها في كشمير، وعلى البرلمان الهندي ومناطق مدنية أخرى خلفت العديد من القتلى والجرحى، حظيت لفترة بتعاطف دولي واسع على أنها وقعت ضحية للإرهاب· وقد تولد قبول لادعاءات الهند بأن أسباب المشكلة تكمن في الدعم النشيط الذي تبديه باكستان للجماعات المسلحة التي تتسلل عبر خط حدود السيطرة التي أوجدتها الأمم المتحدة لكلا الطرفين·
إن تلك التفسيرات التي تبدو مبسطة جداً إلى درجة التسطيح، التي تطرحها الهند، والتي تعتبر قابلة للتصديق في ظل الظروف التي خلفتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تهمل المدى الذي كانت فيه الهند دائماً هي ذاتها المسبب لنفسها لمثل هذه المآزق· وبشكل متساوٍ فإن تلك التفسيرات تهمل أيضاً حقيقة أنه في الوقت الذي عملت فيه باكستان طوال السنين الماضية على استخدام مشكلة كشمير لخوض حروب بالإنابة في صالح أطراف أخرى ضد الهند فإن الحركات المسلحة في شطري كشمير تخوض حرباً حقيقية وبكل قناعة لكي تتخلص من كلا الطرفين· فحركة التحرير الكشميرية هي حركة وطنية-قومية يخوضها الكشميريون لتحقيق الاستقلال على كلا الجانبين وتشكيل دولة كشمير المستقلة·
هذا التوجه نحو عقد هدنة ولو كانت مؤقتة دليل على أن لدى كلا الطرفين نوايا حسنة جديدة لتحقيق السلام في منطقة جنوب آسيا، لذلك فإنه يجب أن يدعم بقوة من قبل جميع أصدقائهما خاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية· فدول المجلس تستطيع أن تكون لنفسها منظوراً خاصاً تجاه علاقة الهند بباكستان يقوم على التيقن بوجود علاقة وطيدة متبادلة بين ما يجري من أحداث في شبه القارة الهندية وبين أمنها القومي·
وبالتأكيد فإنه يصعب علينا الخوض هنا في تفاصيل ذلك، ولكن المهم هو أن دول المجلس لا تستطيع أن تتغاضى عما يحدث بين القطرين بحلوه ومره، ولا تستطيع أن تقف موقف المتفرج على الأحداث، فلو حدث وأن وقع المحظور وقامت الحرب واستخدم السلاح النووي فإن الدمار البشري والبيئي لن يبقى محصوراً في نطاق الهند وباكستان وحدهما، بل سيطال جميع دول المنطقة· إن الوضع في شبه القارة الهندية بالغ الخطورة، لذلك فإن على دول المجلس أن تسعى إلى منع حدوث الحرب بأي شكل وأن تدعم جميع مساعي الحلول السلمية والتفاهم بين الجارين النووين دعماً للأمن والاستقرار في منطقة جنوب آسيا والخليج·