نعلم جميعا أن التوطين سياسة الدولة الواضحة في المراحل المقبلة من بنائها المؤسسي و في حياتها الاقتصادية والاجتماعية والادارية وهو لا يختص بهيئة (تنمية) دون غيرها من الوزارات والمؤسسات والدوائر والهيئات العامة والخاصة لأنها مطالبة بتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
إن بعض الكتاب الذين انتقدوا أداء هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية في الأيام القليلة الماضية، ذهب حديثهم إلى طريق يؤدي بالقارئ الى الخروج بنتائج لا تخدم عملية التوطين ، لأن ذلك الطرح أوصل رسالة مضادة لقضية التوطين برمتها دلت على أن التوطين أمر هامشي.
فالدولة عندما قررت إنشاء هيئة وطنية للمضي في علاج قضية التوطين وفق الأساليب العلمية المتعارف عليها في كافة الدول المتقدمة كان هدفها وضع العنصر البشري المواطن في مكانه الصحيح وفي أعلى سلم أولويات المجتمع.
لذا سمي العنصر البشري بالرأس مال الاجتماعي في الإدارة الحديثة الذي تعوّل عليه مشروعات التنمية في نجاحها وفشلها فكلما كان هذا العنصر أكثر تدريبا وتأهيلا كانت انتاجيته أكبر .
هذا الكلام ينطبق على الموارد البشرية عامة إلا أنه في حالة دولة الإمارات كان التركيز عليه أشد لعامل الندرة التي أصابت العنصر البشري المواطن بالقحط وهو رأس المال البشري الذي يعتبر في حد ذاته قيمة إضافية لو وجدت الرعاية اللازمة مقارنة بالموارد البشرية الأخرى التي تمثل تركيبة الهيكل السكاني بالدولة، وهي الغالبية التي تدير دفة قطاعات المجتمع متجاهلة الرأس مال الأصلي وهو ما نطالب به كافة المعنيين في الدولة لإعادة ميزان القوى الفاعلة إليه ، فخسارة المواطن في وطنه لا تقدر بما يقدمه الآخرون من خدمات مدفوعة القيمة سلفا.
فالمشروعات الوطنية بحاجة ماسة إلى دعم كافة وسائل الإعلام المحلية لتسويقها لأن خدماتها ذاتية فلا تذهب الجهود فيها سدى، والرسالة الاعلامية بحاجة إلى وضوح تام بحيث لا تحتمل النقيض في ذات الوقت.
فالأقلام المحلية التي تتناول هذا البعد في النقاش بحاجة إلى دقة في الفصل بين الجانب الإجرائي لأداء أي عمل مؤسسي والجانب الاستراتيجي الذي يراد منه معالجة بعض القضايا الشائكة كالتوطين وفي مدة زمنية قصيرة غير كافية أصلا لدراسة المشكلة فضلا عن إيجاد السبل الكفيلة بوضع الحلول الواقعية والبعيدة عن تشنجات بعض الأقلام التي تثبط جهود العاملين في موضوع لم يجد حتى الآن الدعم الكافي من الحكومة من حيث القرارات الملزمة لكافة الشركاء الفعليين في إنجاح عملية التوطين برمتها وهي لا تعني هيئة أو مؤسسة بعينها، لأنه بذلك تنفذ الدولة جزءا مهما من سيادتها على من يعتاش في أرضها وهو أمر له الأولوية في كافة دول العالم وخاصة ممن لا يشكوا من تخمة سوق العمالة الوافدة.
ففي أميركا وأوروبا يبادر القطاع الخاص وهو عامل التحدي الأكبر في سوق العمالة إلى اصطياد العناصر البشرية المواطنة وذات المؤهلات الفكرية والعلمية العالية وإعطائها الأولوية في سلمها الإداري وتبذل ما في وسعها للحفاظ عليها قبل التفكير في البحث عن الأرخص والأدنى، لأن القيمة المعنوية لمواطنيها عالية ولا يمكن أن ينافسها أي عنصر آخر وهو خط أحمر يصعب تجاوزه لأن عنصر المساءلة القانونية وحماية حق المواطنة سيف مسلط على رقابها فيما لو تهاونت عن ضم مواطنيها إلى القوى العاملة الفاعلة.