تودعنا هذه الأيام سنة 2003 التي مرت سريعة، كلمح البصر، على رغم ما عرفته من أحداث جسام على مستوى المنطقة العربية، وفي العالم أجمع· وإذا كان مثل هذه الأيام يقترن عادة في أذهان البعض بإجراء جرد شامل لما تحقق من إنجاز، مقروناً بإعادة تقييم للكيفية التي تم إنجازه بها، فإن ذلك في حالتنا العربية خلال سنة 2003 المنقضية الآن لا يعد بالكثير من الشعور بالرضا عن النفس، لا على مستوى ما تحقق، ولا الفرص التي تركناها تضيع، هكذا في مهب الريح·
وإذا اقتربنا من التفصيل، وعددنا على رؤوس الأصابع حصاد عام 2003، تبرز حرب العراق في المقدمة، وقد حققت، على رغم كل شيء، انجازاً لا جدال في أنه يصب في مصلحة المنطقة، وهو إسقاط نظام صدام حسين وإلقاء القبض عليه· وقد سمح سقوط النظام العراقي المنهار واعتقال رئيسه بإضاءة الأماكن المظلمة من ممارساته كالمقابر الجماعية، والمجازر التي لم تكن معروفة، ويدور الحديث الآن عن محاكمته كمجرم حرب داخل العراق في سابقة غير معروفة في المنطقة·
وفي حصاد العام المنصرم أيضاً، أن السلام مع الإسرائيليين خرج من مرحلة التعقيد، والتعثّر، ودخل مرحلة الاستحالة، إذ لم تعد مسيرة السلام، مشروعاً مطروحاً، بل أصبح المطروح، هو الارتقاء بالمواجهة إلى حدودها القصوى· والأسباب هنا كثيرة وفي مقدمتها تحول الأطراف الدولية التي كانت ترعى عملية السلام، إلى جمهور يستمتع بفرجة المشهد الدموي القائم، وتحولها إلى جزء من المشكلة، لا جزء من الحل· وهناك يقبع شارون وحكومته الإرهابية، متخندقين وراء تصوراتهم اليمينية المتخلفة العدوانية، التي تجعلهم غير مؤهلين أصلاً لأن يكونوا طرفاً حقيقياً جاداً في صنع السلام·
على أن سنة 2003 حملت – أخيراً - الكثير من أسباب الحديث عن المشروع الديمقراطي في المنطقة، كالتحولات التي عرفتها بعض الدول العربية الشقيقة، على نحو إيجابي في هذا المسعى· ودعوات الأطراف الدولية، أو بالأحرى ادعاءهم بأنهم سيعملون على (دمقرطة) الشرق الأوسط· وحمل العام 2003 كذلك أخباراً تحمل على التفاؤل بقرب انفراج الأزمة في السودان بين الحكومة والمتمردين الجنوبيين واتجاه المفاوضات إلى الحل النهائي وهو ما سيضع البلاد على طريق التنمية بعد حوالى خمسين عاماً من الحروب الأهلية·
وكانت المفاجأة الليبية آخر فرقعات العام، فإعلان العقيد القذافي عن تخلي بلاده عن مشروعات إنتاج أسلحة الدمار الشامل يُسقط آخر الذرائع لعزل الجماهيرية عن العالم وفرض الحصار عليها·
وشهد العام المنصرم كذلك أحداثاً مؤلمة كتنامي العنف، الذي اكتوت به المنطقة قبل غيرها وتضررت ولا زالت تتضرر من ممارساته في أكثر من قطر عربي· وكذلك الكوارث الطبيعية وآخرها الزلزال المدمر الذي أصاب إيران نهاية الأسبوع الماضي·
وداعاً سنة 2003، وفي انتظار السنة المقبلة 2004 لا نملك إلا أن نتمنى لإخواننا في العالمين العربي والإسلامي عاماً أحسن وأرحم، يبنون فيه ما تهدم، ويجبرون خلاله في النفوس ما تضرر وانكسر، وفرصاً أفضل لمسيرة السلام والتنمية، وكل عام وأنتم بخير.