تعكس التهديدات الإسرائيلية الهستيرية الشاملة، التي تصاعدت بحدة عقب عملية تل أبيب، مدى عمق المأزق الحاد الذي تعيشه إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة برئاسة ارييل شارون.. فلم تقتصر هذه التهديدات على الفلسطينيين شعبا وسلطة ورئيسا وفصائل مقاومة كما هو معتاد عقب مثل هذه العمليات، وانما طالت سوريا أيضا بذريعة انها تستضيف قيادات الجبهة الشعبية التي تبنت عملية تل أبيب، وهو ما يشير الى حاجة شارون الملحة إلى تصدير أزمات حكومته إلى الخارج لتوحيد الداخل الممزق والحائر من فشل عصابة اليمين المتطرف بزعامته في تنفيذ ما التزمت به تجاه أمن واستقرار شعبها رغم ما توفر لها من إجماع غير مسبوق في تاريخ الكيان الصهيوني.
فقد جاءت حكومة شارون على قاعدة توفير الأمن والأمان للإسرائيليين ووعودا بسحق انتفاضة الأقصى الباسلة التي تسبب شارون باندلاعها بعد تدنيسه ساحة المسجد الشريف خلال مائة يوم على الأكثر·· وجربت تلك الحكومة كافة صنوف الإرهاب الصهيوني العتيد منها والمستحدث، من قتل واغتيالات لم تفرق بين رجل وامرأة وطفل وشيخ، وتدمير للمباني والمزارع واشجار الزيتون، وحملات تشريد وتهجير أعادت للأذهان ذكريات نكبتي 8491 و7691، وحصار وتجويع لم يستثن منها رئيس ولا خفير، وغيرها من عشرات الأساليب النازية الفاشية، ولكنها لم تفلح في كسر عزيمة الشعب الفلسطيني أو تليين إرادته الحرة في استمرار النضال ضد الاحتلال وسياساته الغاشمة.
وجاءت عملية تل أبيب لتنسف خطة ومزاعم شارون الهادفة إلى تصوير واقع توقف العمليات الفلسطينية داخل الخط الأخضر باعتباره نجاحا لاستمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على مدن وقرى الضفة وغزة وسقوط الكثير من كوادر وقيادات المقاومة في عمليات الاغتيال القذرة التي أدانها العالم الحر وجرمها القانون الدولي ووضعها على رأس جرائم الحرب.
أما آن الأوان لإسرائيل اليمينية أن تتفهم - مهما بلغت من قوة وبطش واستكبار، ومهما نجحت في استغلال ظروف دولية في غاية الفوضى والالتباس، ومهما وجدت من مساندة ودعم من بعض كبار العالم - أن القوة الغاشمة والتهديد الدائم باستخدامها لن يوفرا لها أمنا ولا سلاما ولا استقرارا؟·· أما آن لها أن تدرك أن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك واضح وجلي ولا يتطلب منها سوى الرضوخ لمقتضيات الحق والعدل والقانون؟