من أكثر الاكتشافات في مجال الطب والعقاقير إثارة للاهتمام، ذلك الاكتشاف الخاص بأن أدوية معينة كانت تستخدم لعلاج خلل أو مرض ما، صالحة أيضا ً للاستخدام في الوقاية أو العلاج من أمراض أخرى·
ففي منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي، اكتشف الأطباء أن عقار (الأسبرين) على سبيل المثال، يمكن أن يكون مفيدا في الوقاية من الإصابة بالنوبات القلبية، وهو ما أدى إلى انتشار استخدام هذا العقار الرخيص على نطاق واسع بين البالغين، وخصوصا هؤلاء الذين يتخوفون من تعرضهم للإصابة بتلك النوبات· وفي الوقت الحالي، يقوم الباحثون بإجراء دارسة على عقار (سيليبريكس) Celebrex، الذي كان يستخدم حتى الآن للعلاج من التهابات المفاصل، وذلك لمعرفة ما إذا كان هذا العقار يمكن أن يفيد حقا في الوقاية من الإصابة بمرض سرطان الرئة· والدراسة قائمة على فرضية أخذت في الظهور بقوة في الآونة الأخيرة، ومؤداها أن السرطان، مثله في ذلك مثل التهاب المفاصل، يعني إصابة الجسم بالتهاب في مكان ما· وطالما أن الأمر كذلك، فإن أي عقار فعال في علاج أي نوع من الالتهابات سيكون أيضا مفيدا في العلاج من السرطان· تبدو أهمية هذه الفرضية إذا ما عرفنا أن أي عقار يستطيع أن يقي المدخنين الحاليين والسابقين من الإصابة بمرض سرطان الرئة، سيكون في الوقت نفسه هو العقار الذي يستطيع أيضا التقليل من نسبة الوفيات بهذا المرض الخطير- سوءا في الولايات المتحدة أو في أماكن أخرى- بشكل جذري· هذا ما تقوله الدكتورة (جيني ماو) الأستاذة المساعد بمركز جونسون الشامل للعلاج من السرطان، التابع لجامعة كاليفورنيا ، لوس أنجلوس، وكبيرة الباحثين المشتركين في إجراء الدراسة المتعلقة ببحث تأثير هذا العقار على الوقاية من مرض سرطان الرئة·
تقول الدكتورة ( ماو) في هذا الصدد: ( الشيء المهم جدا الذي يتعين على الناس أن يقوموا به هو أن يتركوا التدخين على الفور··· أقول ذلك على رغم معرفتي أن ترك التدخين لا يعني استبعاد احتمال الإصابة بهذا المرض بشكل كامل·· ولكن هذه المعرفة في حد ذاتها هي التي تدفعني كما تدفع غيري من العلماء والباحثين إلى السعي لارتياد آفاق جديدة من أجل الوقاية من السرطان، والكشف المبكر عنه)·
وتقوم ( ماو) ببحث النظرية التي تقول إن الأنزيم المسمى Cox-2 ، والمعروف أنه يلعب بالفعل دورا في الإصابة بمرض التهاب الشرايين ، يلعب أيضا دورا في الوقاية من أنواع عديدة من السرطانات· فهذا الإنزيم هو المسؤول عن الزيادة المفرطة في إنتاج المواد المسماة (البروستاجلاندينز) Prostaglandins، وهي مواد مسببة للإصابة بالالتهابات· وكانت البحوث التي أجرتها الدكتورة (ماو) في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بالاشتراك مع الدكتور (ستيفين دوبينيت) من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، هي التي أثبتت وجود أنزيم Cox-2، في الخلايا السرطانية الرئوية·
وعقار Celebrex يثبط عمل أنزيمات Cox-2. فقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يتعاطون عقاقير غير شحومية مضادة للالتهابات مثل عقار Celebrex ، يكون لديهم عادة مستويات منخفضة من السرطانات المختلفة، بما في ذلك سرطان الرئة··وذلك حسبما تقول الدكتورة (ماو)· ويذكر في هذا الصدد أن (إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، قد وافقت بالفعل على استخدام عقار Celebrex، لمعالجة الأشخاص الذين يعانون من التهابات ورمية موروثة في القولون، تتطور حتميا فيما بعد إلى الإصابة بمرض سرطان القولون الخطير·
وقد أظهرت الدراسات أيضا أن مثبطات أنزيم Cox-2، تقلل من احتمال نمو الأورام في الحيوانات، كما تقوم أيضا بقتل الخلايا الورمية في أنابيب الاختبار· ويقول العلماء المهتمون بهذا الأمر، إن البحوث التي تجرى بهذا الصدد واعدة للغاية، وإن ذلك سيتيح لهم الفرصة للبدء في إجراء دراسات على المرضى المصابين بسرطان الرئة· ومما يذكر في هذا الخصوص، أنه وفي دراسة سابقة أجريت في هذا الشأن تبين أن عقار ،Celebrex قد قام بالفعل بتثبيط عملية إنتاج مواد (البروستجلاندينز) في 20 مريضا من المرضى المصابين بمرض سرطان الرئة، ممن أجريت عليهم تلك الاختبارات·
أما الدراسة الجديدة، فسوف يتم إجراؤها على180 شخصاً من المدخنين السابقين المعرضين بنسبة كبيرة للإصابة بسرطان الرئة، أو من هؤلاء الذين قاموا بالفعل بإزالة عدد غير قليل من الخلايا السرطانية من الرئة· وسوف يتم اختيار أشخاص بصفة عشوائية لتلقى العلاج بعقار Celebrex المتبوع بعقار مخفف الهدف منه اختبار تأثير Celebrex، أو لتلقي علاج مخفف متبوع بتعاطي Celebrex وذلك على فترات تتكون كل منها من ستة شهور· وبعد ذلك سوف يقوم الأطباء بمتابعة المرضى، الذين تعاطوا هذه العقاقير لمدة أربع سنوات كاملة، لملاحظة التغييرات التي طرأت عليهم·· وخصوصا فيما يتعلق بإنتاج البروستجلاندين أو الخلايا الشُعبيّة ·
حول هذا الأمر تقول الدكتورة ( ماو): (هناك العديد من السمات والملامح المشتركة بين سرطان الرئة والالتهابات··· فالمدخنون يعانون من عد