من المتوقع مع ارتفاع عدد المصابين بالإيدز في الدول الأفريقية، أن تصبح هذه القارة مليئة بالأيتام· هذه القارة المنكوبة بمرض الأيبولا الذي لم يتم التوصل إلى دواء للقضاء عليه، وحروب القبائل والحدود، والنهب الاستعماري ثم بعد ذلك النهب الوطني على أيدي الحكام· هذه القارة التي لم تنل الاهتمام المطلوب على المستوى العالمي بسبب الكلفة المالية العالمية التي تحتاجها برامج الأمم المتحدة فيما لو حاولت مجرد البدء بالإصلاح الصحي، دع عنك بقية الإصلاحات التنموية، حيث تقدر المبالغ التي لابد من رصدها بما لا يقل عن ثلاثمائة مليار دولار· لكن المشكلة الخليجية التي تحاول الأمم المتحدة السعي إلى حلها هي مشكلة الإيدز حيث ينذر الوضع بوجود عشرات الآلاف من الأيتام بسبب نقص الدواء المطلوب بما يتسبب في وفاة الآلاف سنوياً من الرجال والنساء· وتضع الأمم المتحدة اللوم على الدول الأوروبية الغنية لعدم إعطاء هذه المشكلة الاهتمام الكافي والمطلوب لمكافحة هذا المرض القاتل لأن هذه الدول لا تؤمن المبالغ اللازمة لتوفير الدواء الذي يحتاجه مرض الإيدز في القارة الأفريقية، وخاصة أن هذه الأدوية غالية الثمن، فضلاً عن عدم توفير المبالغ اللازمة للبحوث الخاصة بهذا المرض· وقد خصصت الولايات المتحدة هذا العام مبلغ خمسة عشر ملياراً من الدولارات لأغراض البحث العلمي ثم خفّضت المبلغ، طالبة من الدول الغربية أن تزيد من مساهمتها المالية لدعم البحوث العلمية، لكن لا تزال الاستجابة ضعيفة حتى الآن·
وعلى ما يبدو فإن المشكلة ليست في توفير الدواء بقدر ما هي متعلقة بالبيئة ذاتها للدول الأفريقية التي ينتشر فيها هذا المرض، من جهة النظافة والعلاقات الجنسية والظروف المناخية السيئة وضعف التغذية، ونهب الأموال، والحروب الدامية المتواصلة، ناهيك عن ضعف الإنفاق الطبي والصحي· فمرض الإيدز لا ينتقل عبر العلاقات الجنسية فقط، بل يحدث من نقل الدم، واستخدام الإبر الملوثة حيث يتم استخدام هذه الإبر أكثر من مرة· لذلك ليس من المتصور أن يتوقف الوضع على توفير الدواء، حيث تعرف الدول الغربية مدى الفساد الإداري المستشري في الأجهزة الحكومية في الأنظمة الأفريقية حيث تسود السوق السوداء، ولا يمكن ضمان وصول هذه الأدوية إلى مستحقيها من المرضى، كما لا تتوفر الأجهزة اللازمة من مخازن وحقن وأدوات طبية لازمة لتوفير مستشفى صحي يمكن من خلاله العناية بالمرضى، فضلاً عن اتساع القارة الأفريقية وصعوبة المواصلات وتنقل القبائل بين مختلف المناطق بسبب الحروب والجفاف والمشكلات المختلفة·
القارة السوداء مشكلة تكبر يوماً بعد يوم مثل كرة الثلج، ولا يبدو أن العالم الغربي الذي يتحمل مشكلات العالم الثالث كلها مستعد الآن لضخ المليارات لإنقاذ هذه القارة من المشكلات في ظل أنظمة سياسية فاسدة غير مهتمة بشعوبها قدر اهتمامها بنهب ثروات هذه الشعوب· وكم ديكتاتوراً هرب بالملايين وترك شعبه جائعاً ومريضاً· لذلك تحتاج هذه القارة إلى شيء من التفرغ لبحث مشكلاتها فهي على وشك أن تصبح قارة أيتام ينهش المرض والفقر والجوع صحتهم· لكن كل ذلك مستحيل في ظل انشغال العالم الغربي بظاهرة الإرهاب الكوني الذي يهدد الحضارة الغربية· هذا الإرهاب الذي لا يزال بعيداً عن أفريقيا·