... تحرك دول شرق أفريقيا الثلاث كينيا وأوغندا وتنزانيا من جانب واحد لالغاء اتفاقية مياه النيل الموقعة في العام 1929 بين دول الحوض التي كانت جميعها واقعة آنذاك تحت الاحتلال الأجنبي، هو تحرك يجانبه الصواب من نواح عدة، ففضلا عن كونه يضر بالمصالح الحيوية لأكبر دولتين في حوض النيل هما السودان ومصر اللتين لن تسكتا على التعطيش والتجفيف المحتمل، فانه يوجه ضربة قاصمة لروح ميثاق منظمة الوحدة الافريقية ومن ثم الاتحاد الأفريقي الذي يرفض المساس بالموروث الاستعماري فيما يخص قضايا ترسيم الحدود وتوزيع السكان واقتسام الموارد الطبيعية تجنبا لوقوع ما لا تحمد عقباه بين الدول الافريقية·
... تفاقم مشكلة المياه في العالم عامة، وفي البلدان الأفريقية الواقعة جنوبي الصحراء بصفة خاصة، أمر لا يخفى على أحد، لكن حلها لا يكمن في خطوات منفردة أحادية الجانب، طالما أنه يوجد أساس للتقاسم وللتشاور والتعاون بين الدول المعنية وخاصة دول حوض النيل التي تربطها اتفاقيات وتجمع بينها مؤسسات قائمة منذ زمن طويل ولهذا الغرض بالذات، إذن فلا معنى لأي تحرك منفرد وخطوة منفردة لحل المشكلة، وعليه لا بد من اللجوء الى مؤسسات العمل المشترك الخاصة بتنظيم أمور المياه بين دول الحوض، فان لم تفلح فهناك الاتحاد الافريقي وآليات فض النزاعات التابعة له، فان أخفق في الحل فالتحكيم ومحكمة العدل الدولية، لكن أن تقوم دولة واحدة أو ثلاث بالغاء اتفاقية دولية على النحو الذي تتجه اليه كينيا وأوغندا وتنزانيا، فان في ذلك اهدارا وهضما لحقوق بقية دول الاتفاقية وخاصة مصر والسودان·
ان اتفاقية مياه النيل هي اتفاقية دولية لا يجوز نقضها أو الغاؤها من طرف واحد دون موافقة بقية الأطراف ونظرا لحساسية هذه الاتفاقية وارتباطها الوثيق بحياة ما يقارب من نصف عدد سكان القارة السمراء، فان أي خطوة لالغائها من جانب واحد، سوف تفتح الباب على مصراعيه أمام صراع خطير في قلب القارة ربما يتحول الى نزاع مسلح يقضي على الأخضر واليابس، ويعطل مسيرة التنمية في جميع دول حوض النيل، مما يضاعف من مشاكلها الحالية ويزيدها سوءا·