أعاد الحديث حول دلالات انعقاد قمة مجموعة حوار 5+5 في تونس الأسبوع الماضي واختيارها كحاضن لأول قمة أورو- مغاربية، الاهتمام مجددا بما سماه أحد الكتاب الأجانب (الخلطة السرية) لسياسات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والتي مكنته من تغييرات وصياغات عديدة في الواقع التونسي خلال ستة عشر عاما الماضية. فتونس حاليا بموقعها ومواقفها الوسط داخل اتحاد المغرب العربي، تعد خارج الصراعات الإقليمية التي عطلت مسيرة الاتحاد، بل تراه (خيارا استراتيجيا ثابتا لا رجعة فيه) كما أكد الرئيس بن علي مرارا. فيما تنعم تونس بحالة استقرار عام نادرة بين بلدان منطقة الشمال الأفريقي، فقد حققت مستوى متقدما في علاقات التعاون والشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي يستقطب نسبة 70 في المئة من تجارتها الخارجية، وبات شريكها الأول منذ إبرام اتفاقية التجارة والشراكة بينهما في يونيو 1995· وقد دفع بن علي بالعلاقات التونسية الأوروبية من خلال سياسات الإصلاح الاقتصادي التي مكنت من نمو بلغ متوسطه 5 في المئة خلال الـ 12 سنة الماضية، وساعدت على خفض التضخم إلى نسبة 3.4 في المئة، وخفض الفقر ليصل إلى 6 في المئة، وتوسيع الطبقة الوسطى لتشمل حوالى 60 في المئة من مجموع السكان، إضافة إلى النجاحات المسجلة في قطاع السياحة الذي حقق جذبا لتونس بلغ 5.6 مليون سائح أجنبي على أراضيها سنويا، فأصبحت من الواجهات السياحية الأكثر أمنا في منطقة المتوسط.
ويعتقد الرئيس بن علي أنه ما كان ليحدث الاستقرار والنمو الاقتصادي في تونس لو لا أنها (نجحت في تخطي محنة الإرهاب... وفي المعركة ضد استغلال الدين لأغراض سياسية)، وأن نجاحها جاء من خلال (معالجة الأسباب العميقة لنشوء الظاهرة، أي مكافحة الفقر وتنمية الجهات الأقل حظا، ومساعدة السكان الأكثر فقرا)، وبموازاة ذلك أيضا (عملنا على النهوض بالقيم المدنية والروحية)، وكذلك (إصلاح التعليم والنهوض بدور المرأة).
وكانت البداية في صبيحة السابع من نوفمبر 1987 عندما فوجئ التونسيون ببيان رسمي بثته الإذاعة الوطنية التونسية يعلن عن تولي رئيس الوزراء زين العابدين بن علي مهام رئيس الجمهورية، ويعد بـ(إقامة مجتمع عادل ومتوازن وديمقراطي ومتجه نحو الحداثة والتقدم). قبل ثلاث سنوات من ذلك اليوم، لم يكن بن علي معروفا على مستوى واسع للرأي العام التونسي. فقد ولد عام 1936 في منطقة حمام سوسة الساحلية لعائلة متواضعة، والتحق بالحزب الدستوري الجديد وهو لا يزال تلميذا في معهد سوسة، وسافر للدراسة في فرنسا بمساعدة الحزب، وتخرج من المدرسة العليا للأسلحة المتعددة في سان سير، وعاد كأحد الضباط الأوائل في الجيش الوطني التونسي، وأنشأ إدارة الأمن العسكري سنة 1964 ليظل على رأسها عشر سنوات تالية، قبل تعيينه ملحقا عسكريا في الرباط عام 1974، وبعدها سفيرا في بولونيا عام 1980· لكن بن علي واصل صعوده بخطوات سريعة خلال ثلاث سنوات فقط، ففي عام 1984 دعي من فرصوفيا ليتولى مهام كاتب دولة ثم وزارة الأمن الوطني، وفي عام 1986 أصبح وزيرا للداخلية، وفي العام نفسه أيضا اختير عضوا في الديوان السياسي لـ(التجمع الاشتراكي الدستوري) الحاكم، ثم أمينا عاما مساعدا له. وما أن حل مساء الثاني من أكتوبر عام 1987 حتى عين بن علي وزيرا أول، مع الاحتفاظ بحقيبة الداخلية، وأمينا عاما للحزب. لكن بعد أقل من شهر أزاح الجنرال المطلع على ملفات سرية وحساسة، رجل الاستقلال والرئيس الأول لتونس الحبيب بورقيبة الذي نصب نفسه رئيسا مدى الحياة، و(تقدمت به السن ولم يعد قادرا على أداء مهام الحكم)، كما ورد في تقرير طبي صدر لاحقا.
وبدأ بن علي عهده في الحكم بعفو عن مئات المعتقلين السياسيين، وانفتاح على المعارضة الإسلامية، وإلغاء (محكمة الأمن) المرعبة منذ إنشائها عام 1968، ثم اتخذ قرارات أخرى في الاتجاه نفسه؛ فسن في عام 1988 قانونا يجيز تعدد الأحزاب، وألغى من الدستور مبدأ الرئاسة مدى الحياة، وشدد في (الميثاق الوطني) على الهوية العربية والإسلامية لتونس. لكن ربيع الانفراج الداخلي لم يدم طويلا في تونس، بل أخذ في التراجع أواخر عام 1991 اثر الإضرابات الطلابية التي أعقبها تعليق (الاتحاد العام للطلبة التونسيين)، وحلمة اعتقالات شملت حوالى 8 آلاف إسلامي.
وعلى رغم الفوز الساحق للرئيس بن علي في انتخابات الرئاسة التي تم تنظيمها علنا في ثلاث ولايات رئاسية متتالية: أعوام 1989 و1994 و1999، فقد شككت المعارضة التونسية في (الظروف المادية والقانونية للانتخابات)، وانتقدت نسبة الـ 99.9 التي فاز بها بن علي في انتخابات أكتوبر 1999، وهاجمت التعديل الدستوري الذي ألغى في عام 2002 سقف الولايات الرئاسية، باعتبار ان ذلك (يؤسس لحكم غير مقيد بزمان ولا خاضع لرقابة برلمانية أو سلطة قضائية)، خاصة أنه في بلدهم (أبصر النور أول دستور في العالم العربي (1861)، وظهر أو ل حزب سياسي (1911)، وأول نقابة عمالية (1924)، وأول رابطة حقوق إنسان (1977) ).
ولئن دأبت منظمات حقوق الإنسان أيضا على انتق