(... والظاهرة هي عبارة عن نظام علاقات اجتماعية بين تابع ومتبوع وبين مفيد ومستفيد، نتجت عنها ارتباطات سياسية قائمة على الاستزلام والعبودية وعلاقات اقتصادية قائمة على النًفعية والإذلال)، بذلك أشار الدكتور علي محمد فخرو في مقاله لعدد الخميس الماضي على هذه الصفحات، إلى عقبة حقيقية تقف أمام (انتقال المجتمعات العربية من نظامها التسلطي الحالي إلى نظام ديمقراطي عادل). وشخص الكاتب تلك العقبة الكأداء قائلا: إن (المتبوع يمكن أن يكون رمز القوة السياسية الأول أو وزيراً أو مديراً أو مشرفاً. كما يمكن أن يكون رب عائلة أو شيخ قبيلة أو قائد مذهب أو قائداً عسكرياً أو تاجراً كبيراً وجميع هؤلاء يمكن أن يكونوا أيضاً من التًابعين المستزلمين لمن هم أكبر وأقوى منهم في الداخل والخارج· إنها حلقة مكونة من متبوع – تابع - متبوع، تمتد من قمة الهرم الاجتماعي العربي إلى قاعدته، ومن أصغر قرية في الريف العربي إلى عواصم العالم الكبرى). والتوصيف الذي قدمه الدكتور فخرو هنا لظاهرة تكاد تلخص الواقع العربي الحالي برمته وتعكس أمراضه التاريخية المزمنة، إنما يحدد بدقة ويضع إصبع التشخيص على موضع الداء، مباشرة ودون مواربة. فمجتمعاتنا التي خرجت من مرحلة السيطرة الأجنبية المباشرة في القرن العشرين، أخفقت منذ ذلك الوقت في بناء النموذج التنموي والسياسي الحديث، وخسرت رهاناتها في التقدم والتحرر والتحرير والكرامة، وذلك حين التفت على مبدأ الحرية الذي كان رافعة رئيسية في مشروع التقدم الغربي منذ أربعة قرون. لذلك يمكننا اليوم أن نلاحظ بسهولة كيف يقع الإنسان العربي فريسة لشعور الاغتراب الحاد وفقدان الإرادة والكرامة فضلا عن صنوف الاستلاب والسلبية، داخل بلاده التي تحول مواطنوها غالبا إلى رقم ديمغرافي أصم لا يمتلك مصيره ولا يقدم ولا يؤخر. لذلك كان من الطبيعي ألا يدافع العراقيون مثلا عن بلادهم باستماتة كبيرة حين دهمها الغزو الأجنبي. ألم يعف اليونانيون القدماء عبيد أثينا من واجب الدفاع عنها، حيث لا يفلح في ذلك إلا الرجال الأحرار؟
يجب أن نتوقف برهة عن الاستماع إلى سيل التضليل الذي تمارسه فئات واسعة من المثقفين والكتاب العرب، وهم يصورون ما أنجزته البلدان والحكومات العربية على أنه المعجزة التي ينبغي أن تترجم أحلامنا إلى واقع ملموس ومعيش! هؤلاء هم الجزء الأساسي من حلقة التخلف الجهنمية التي يوضحها الدكتور فخرو في مقاله المذكور، فهم نظريا بمثابة الطليعة التاريخية التي يجب أن تدافع عن القيم الديمقراطية وأن تضطلع بعبء النهوض القومي عامة، لكنها في واقع الحالة العربية الراهنة أصبحت قوة تعطيل وإعاقة وتبديد وضياع وتخلف، وذلك بسبب علاقات الاستزلام والعبودية التي تجعلهم مرهوني الإرادة والضمير إزاء مستويات عليا في بنية التسلط والاستبداد العربيين.
نادر المؤيد - أبوظبي