لم يتبنّ رسمياً أي طرف فلسطيني وثيقة جنيف وذلك لأسباب عدة منها أن الوثيقة حلت قضية القدس على أساس أن الحي اليهودي لليهود، والحي العربي للعرب، وأن الحرم القدسي يبقى تحت السيادة الفلسطينية، مع إبقاء حائط المبكى (حائط البراق) تحت السيادة الإسرائيلية. أما المدينة القديمة فتبقى في إطار دولي. ولم تشرح الوثيقة ماذا تعني ببقاء المدينة القديمة في إطار دولي. فهل تعني الوثيقة ما ورد في قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947 برقم 181 والذي جعل مدينة القدس كياناً منفصلاً خاضعاً لنظام دولي خاص، أم هل تعني أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل وفق قرار (الكنيست)، أم أنها عاصمة لفلسطين و إسرائيل معاً؟ بيد أن الوثيقة قسمت المدينة إلى حيين عربـي ويهودي، دون أن تشير إلى الانسحاب من المدينة العربية التي احتلتها إسرائيـل في حرب 1967· وبخاصة أن الطرف الإسرائيلي لم يأخذ على محمل الجد قط الانسحاب إلى حدود 1967 حتى الآن.
ويبدو أن الطرف الفلسطيني المفاوض من أجل وثيقة جنيف التي تمّ إعدادها على البحر الميت نسي أن هناك لجنة إسلامية اسمها ( لجنة القدس) يرأسها ملك المغرب. وقد أسست منظمة المؤتمر الإسلامي هذه اللجنة من أجل تحرير القدس و إعادتها إلى ما كانت عليه قبل 1967· لهذا وصمت الوثيقة بأنها مناورة تهدف إلى (الغموض البناء) الذي اتصف به أهل اليسار الإسرائيلي الذين كانوا في الحكم في إسرائيل وما فعلوه هو خلق الوقائع على الأرض، وإقامة المستعمرات. لهذا من الطبيعي أن يوصم الطرف الإسرائيلي الذي اشترك في إعداد هذه الوثيقة بأنه يبغي تضليل الرأي العام في إسرائيل. إن قضية القدس تخص كل مسلم في العالم. لهذا كان على الطرف الفلسطيني المشارك أن يأخذ قرارات المنظمة و اللجنة بعين الاعتبار. وهذا ما يفسر بيان القوى الوطنيــة والإسلامية الذي اتخذ موقفاً عنيفاً ضد الوثيقة و ضد من وقّعها. أما قادة (فتح)، فقد تنصلوا من الوثيقة و قالوا إنها تعبر فقط عن وجهة نظر من وقعوها، ولا تلزم الشعب الفلسطيني و لا تتوافق مع إرادته و لا تصلح أساساً لحلّ قضيته الوطنية.
خشية أهل فلسطين هي أن هذه الوثيقة قد تصبح سقفاً للموقف الفلسطيني، في حين أن بعض قادة الصهيونية، وعلى رأسهم جابوتنسكي وشامير وشارون قد أصروا على احتلال مدينة القدس وجعلها عاصمة إسرائيل الأبدية -حسب أقوالهم- لهذا نجد أرييل شارون أكثرهم الآن طمعاً في تهويد القدس، إلى جانب أنه يعمل من أجل إعادة الاحتلال للضفة الغربية و قطاع غزة، وهو احتلال يهدف من جرائه أن يقضي على (الإرهاب) الذي هو المقاومة الوطنية الفلسطينية نفسها، فيرضي معلمه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، كما يبغي كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإذلاله وخلق الظروف والشروط التي تساعد شارون على ترحيل الشعب الفلسطيني عن وطنه. إنه يعيد إلى الأذهان لجوء عام 1948 و يريد تكراره طوعاً أو كرهاً.
يُخشى أن تكون وثيقة جنيف وسيلة لإيقاف الانتفاضة التي يسعى شارون إلى وقفها إضافة إلى فرض شرط التنازل الإسلامي والعربي عن القدس تنازلاً نهائياً· لذلك جعلتها خريطة الطريق- المشروع الأميركي الذي يعاني الآن سكرات الموت بفعل شارون وإرادته من موضوعات المرحلة النهائية. ومن هنا اعتبرت وثيقة جنيف مكملة لخريطة الطريق وشارحة لها وحالّة لبعض القضايا التي جعلتها خريطة الطريق في المرحلة النهائية منها. وليس خافياً أن الولايات المتحدة قد أيدت -يومذاك- قرار التقسيم 181 وهي تسلح إسرائيل وتنقذها في ما تعانيه من القضية الفلسطينية. ويبدو أنها مستعدة للموافقة على وثيقة جنيف بعد أن امتدحها وزير الخارجية الأميركي. ولكن الإدارة الأميركية تشترط موافقة الحكومة الإسرائيلية على الوثيقة حتى تسحب تلك الإدارة مشروع خريطة الطريق الذي يمثل (الإدارة الدولية) أو (الأغلبية الدولية )، بخاصة بعد أن استصدرت روسيا الاتحادية من مجلس الأمن قراراً خاصاً باعتبار خريطة الطريق حلاً للقضية الفلسطينية.