عندما أعلن البابا يوحنا بولس الثاني موقفه المعارض لبناء الجدار العنصري الذي تقيمه اسرائيل في الضفة الغربية المحتلة من فلسطين والذي تصادر بموجبه مزيداً من الأرض، وتعزل مزيداً من القرى، وتقتلع المزيد من الاشجار، جاء الرد الإسرائيلي على هذا الموقف على لسان رئيس الحكومة الجنرال شارون نفسه وفيه تشهير بالسور الذي يلف الفاتيكان ويعزل من فيه -أي البابا - عن رؤية حقائق الدنيا·· كما ادّعى شارون·
بين الموقف الفاتيكاني من جدار شارون والرد الإسرائيلي المتهكم على سور الفاتيكان، لا بد من توضيح أمر أساسي يتعلّق تحديداً بموقف البابا من اليهودية ومن اسرائيل:
فالبابا يوحنا بولس الثاني هو أول بابا في تاريخ الفاتيكان يصافح حاخاماً· وهو أول بابا يدخل كنيساً ( كنيس روما المركزي )· وهو أول بابا يقف أمام حائط المبكى -حائط البراق- بموجب الطقوس اليهودية· وهو أول بابا يزور متحف المحرقة في القدس المحتلة حيث يكاد الاحتفال يقتصر على المراسم الدينية· ثم إنه أول بابا يعترف باسرائيل كدولة·
ولإدراك أهمية هذا الموقف، لا بد من مقارنته بمواقف الباباوات السابقين:
ظهر أول موقف للكنيسة الكاثوليكية من الحركة الصهيونية في مايو من عام 1897 عشية المؤتمر الصهيوني الأول· جاء في هذا الموقف: لقد مرّت ألف وثمانمائة وسبعة وعشرون سنة على تحقيق نبوءة المسيح، بأن القدس سوف تدمر·· أما فيما يتعلق بإعادة بناء القدس بحيث تصبح مركزاً لدولة اسرائيلية يعاد تكوينها، فيتحتم علينا أن نضيف أن ذلك يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه الذي أخبرنا مسبقاً بأن القدس سوف تدوسها العامة (جنتيل) حتى نهاية زمن العولمة ( لوقا 21/24)، أي حتى نهاية الزمن· وبعد سبع سنوات على اعلان هذا الموقف، وجّه البابا بيوس العاشر رسالة جوابية إلى ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية قال فيها:
لا نستطيع ابداً أن نتعاطف مع هذه الحركة -الصهيونية- نحن لا نستطيع أن نمنع اليهود من التوجه إلى القدس، ولكننا لا يمكن أبداً ان نقرّه· إنني بصفتي قيّماً على الكنيسة لا استطيع أن اجيبك بشكل آخر· لم يعترف اليهود بسيدنا، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي، وبالتالي، فاذا جئتم إلى فلسطين واقام شعبكم هناك، فإننا سنكون مستعدين كنائس ورهباناً لتعميدكم جميعاً · بعد صدور وعد بلفور، في عام ،1917 أوفدت الحركة الصهيونية أحد أعضائها، وهو الروسي ناحوم سوكوف لمقابلة البابا بنديكت الخامس عشر· في هذا اللقاء الذي تمّ في العاشر من مايو ،1917 قال الباب:لا لسيادة اليهود على الارض المقدسة·
دافعت الصحافة الكاثوليكية في اوروبا وفــــــي أميركا نفســـــها عن موقف البــــابا، حــــتى ان المجلة الكاثوليكيـــة الاميـركيــــــة weiveR ylretrauQ cilohtaC naciremA ehT نُشرت في عددها الصادر في أبريل ،1918 مقالاً بعنوان موقف المسيح من التطلعات السياسية-الدينية لليهود قالت فيه: بما أن الانتقام هو صفة اليهود المميزة، فان التدمير الكامل لأعدائهم هو من أعظم إنجازات تطلعاتهم القومية، ويرى كثير من اليهود في إشباع مشاعرهم الانتقامية هذه جزءاً من عظمة مستقبلهم السعيد·
تلقف البابا التضامن الاسلامي-المسيحي العربي فـــــي فلسطين ضـــد وعــــــد بلفــــور ليؤكــــد رفــــــض السيــــــادة اليهودية على الارض المقدســــــة· فـــــفي ديسمــــــبر 1920 تألفت هيئة إسلامية-مسيحية enitselaP ni noitaicossA naitsirhc-milsuM لمطالبة السلطات البريطانية بإعادة النظر في وعد بلفور، كما أن المؤتمر العربي الثالث في حيفا طالب باستبدال الانتداب البريطاني بحكومة عربية·
احتلت أحداث الانتفاضة الفلسطينية في ربيع 1921 الصفحات الأولى في الصحف الكاثوليكية في العالم· وفي 14 يونيو 1921 أعلن البابا : أن الوضع في فلسطين لم يتحسن، بل إنه ازداد سوءاً من خلال التنظيمات المدنية الجديدة التي استهدفت عملياً على الاقل، ولو من غير قصد أصحابها، إقصاء المسيحية عن موقعها السابق ووضع اليهود في مكانها· ولذلك فإننا نهيب بحرارة بجميع المسيحيين بمن فيهم الحكومات غير الكاثوليكية، أن تحثّ عصبة الأمم على إعادة النظر في الانتداب البريطاني على فلسطين·
وفي 15 من مايو 1922 وجّه الفاتيكان مذكرة رسمية إلى عصبة الامم تنتقد بشدة اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وجاء في المذكرة التي وضعها الكاردينال كاسباري: أن الحبر الأعظم لا يعارض في أن يتمتع اليهود في فلسطين بالحقوق المدنية أسوة بغيرهم من أبناء الجنسيات والمعتقدات الأخرى، ولكنه لا يمكن أن يوافق على منح اليهود امتيازات على غيرهم من السكان·
في عام 1944 أوفد الفاتيكان إلى الولايات المتحدة المونسينيور توماس ماكماهون ليحذر من خطر خضوع الغرب للمطالب الصهيونية على المجموعات المسيحية في الشرق· وأكد مكماهون خلال ذلك أن المسيحيين في العالم يطالبون بصوت واحد أن تحافظ أرض المسيح على قداستها وحرمتها، وقال إنه بما أن الاسلام لا يقدر على طرد المسيح من فلسطين، فان دولة يهودية سوف ت