في 2 ديسمبر 1971 غرست في دمائنا فسائل الاتحاد وكنا على مقاعد الدراسة الإعدادية، وبعد 32 عاماً وصلنا اليوم إلى سدة المسؤولية لدعم جذور ذلك الغرس الذي لولاه لما كانت هناك دولة يشهد لها العالم أجمع أننا صنعنا تاريخاً بأيدينا ولم ندع للتاريخ مجالاً لصناعتنا وهذا هو شعور جيل الاتحاد·
اتحاد الإمارات هو النموذج العملي للوحدة العربية بعد أن فشلت مشروعات الاتحاد الكبرى، هذا النموذج الذي أثبت الزمن للمتابعين أنه الأنجح مقارنة بما نالت التجارب الأخرى القحط والتراجع عن المضي في قارب واحد ومع قائد واحد وليس الأوحد·
لماذا وصلنا بالاتحاد إلى هذه المكانة الرفيعة اليوم بين الأمم المبعثرة من حولنا، فالأمة العربية والإسلامية أصبحت كالعقد الذي انقطع الخيط الرابط بين الدرر المنثورة في كل مكان فلا اللغة استطاعت أن توحدها ولا التاريخ المشترك ولا غيرها لأن الإرادة على ذلك الأمر المهم لم تتوحد·
وصلنا إلى مرحلة الاتحاد لأننا خرجنا من منظومة الإمارات المتصالحة وليست المتخاصمة، فبالتصالح والتوافق والانسجام والمصير المشترك ردمنا الكثير من الفجوات التي كادت تعصف بالنشأة الأولى ولكن سلم الله بالأيادي البيضاء السبع وألهمها الالتفاف حول الشعار الذي تحقق ولا زال ينثر رياحينه بين الأمم الأخرى· فالاتحاد شرع في زرع الطيب بأرض الإمارات وخارجها ولم نجنِ من ورائه إلا العمران في نفس الإنسان أولاً والبنيان بكل ما فيه من تطوير وتنمية وتعمير ثانياً· لقد نشأنا بجامعة الاتحاد قبل أن ترى جامعة الإمارات النور بعد ذلك بستة أعوام ورأينا أثر ذلك في عيون طلبة الإمارات الذين اجتمعوا لأول مرة تحت سقف واحد يسقون من هذا الرحيق الروحي بأيادٍ أمينة حرصت على غرس معاني الوحدة والتعاون والاتحاد ونكران الذات حتى تحولت إلى مظلة واقية لنا من شرور الزمن الذي لا يرحم الساعين لرأب الصدع في الأمة المشتتة·
بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود على شجرة الاتحاد وارفة الظلال حري بنا أن نؤسس كل ما يعمق جذوره في الأرض، حدثني بذلك من هو بمثابة الوالد في السنوات الأولى من عمر الاتحاد وهو رجل سياسي أعطى من جهده الكثير في سبيل تقوية دعائم الاتحاد، وكان مدار حديثه في ذلك الحين عن رقي النظام السياسي في الدولة والآليات التي تحيط بها والقابلة للتطوير لدعم عنصر المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات التي تعمق ركائز الوحدة في قلوب ونفوس الأجيال المتتابعة التي لم تشهد الأيام الأولى من عمر الاتحاد·
وكان مما ذكر لنا، هو أننا أقرب من الناحية العملية لممارسات الحكم الاتحادي والمحلي إلى بعض الأنظمة الغربية، كالولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرها من الدول التي يقودها حاكم واحد ويعاونه حكام محليون يعدون بمثابة اليد اليمنى للقائد الواحد في تنفيذ التوجيهات والسياسات والأوامر لما فيه من المصلحة العامة للدولة· هذه الميزة تجعل الدولة قادرة على هضم رياح التغيير السياسي التي بدأت تطال دول الخليج في مجال المشاركة السياسية، ونحن على مقربة من التأثر بها وهو ما يحتم علينا التفكير في بناء آليات تتواكب مع ما يحدث في العالم أجمع ونحن قادرون على تحمل مسؤوليات المرحلة مع حكومتنا الرشيدة·