من الفوائد التي ترتبت على صعود تنظيم القاعدة، أنه قد أعطى الإرهاب سمعة، أسوأ بكثير من تلك التي كان يتمتع بها قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر· فبالنسبة لـالإرهابيين الجدد التابعين لـالقاعدة، أو للتنظيمات المنبثقة عنها، يعتبر الإرهاب غير المحدود هو الوسيلة لتحقيق النصر النهائي والساحق للإسلام الراديكالي على الغرب·
أما بالنسبة لـالجماعات الإرهابية القديمة فإنها كانت عادة ما تستخدم الإرهاب على نحو انتقائي، وبهدف الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات، يمكنها من خلاله تحقيق الأهداف القومية، والعرقية، والأيديولوجية داخل حدود جغرافية معينة· ومثل هذه الجماعات بما فيها جماعةإيتا الانفصالية في إقليم الباسك الأسباني، أو منظمة نمور التاميل في سيريلانكا، اضطرت إلى أن تنأي بنفسها عن تنظيم القاعدة والجماعات المنبثقة عنه، بالامتناع، بقدر الإمكان، عن ممارسة العنف الشامل، الأمر الذي أتاح للحكومات التي تعارضها تلك المنظمات الفرصة لحسم الصراعات معها·
ينطبق هذا على الجيش الأحمر الأيرلندي في مقاطعة أولستر - أيرلندا الشمالية، على رغم أن الانتخابات التي جرت هناك منذ أسبوعين، والتي تفوق فيها المتشددون من على الجانبين، تشير إلى تعاظم نفوذ التيارات المتشددة في المقاطعة· وقد تمكن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من الاستفادة من الليونة التي أبداها الجيش الأحمر، من خلال الحرص على التعامل مع الجناح العسكري للجيش ، الذي يطلق عليه شين فين· بيد أنه يتعين على بلير، إذا ما كان يريد أن يزيد من مساحة التفاهم بينه وبين الشين فين أن يقوم بتقديم دعم سياسي قوي للاتحاديين المعتدلين الذين يريدون أن تبقى أيرلندا الشمالية بريطانية·
ويذكر أن الجيش الجمهوري الأيرلندي الكاثوليكي في معظمه، قد أمضى ربع القرن الأخير في محاولة توحيد المقاطعة مع أيرلندا، عن طريق القيام بحملة من حرب العصابات الإرهابية ضد الأغلبية الاتحادية البروتستانتية في معظمها، وضد بريطانيا ذاتها· بيد أن الطرفين قررا في عام 1998 اقتسام السلطة من خــــــلال حكومـــــة موحــــدة وذلك وفقا لما عـــرف بـ اتفاقية الجمعة الحزينة·
ولولا وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ما كان ممكنا أن يكون الجيش الجمهوري الأيرلندي على هذا القدر من الليونة بعد أن كان يعتمد العنف أسلوبا وحيدا له في الماضي·
مع ذلك ، فإن الجماعات الإرهابية القديمة لا ترغب في التخلي عن التلويح بورقة العنف· الدليل على ذلك أن منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي قد احتفظت بالقسم الأكبر من أسلحتها، وقدمت النصح والمشورة للمتمردين الكولومبيين ، كما قامت بشكل سري بتشجيع المجموعات الإرهابية المنشقة عنها· وفي سيريلانكا، استمرت منظمة نمور التاميل في إعادة تزويد نفسها بالإمدادات والمعدات، كما استمرت في تجنيد أفراد جدد خلال فترة وقف إطلاق النار التي استمرت قرابة العامين· أما في أسبانيا فقد قامت منظمة إيتا الانفصالية بالتخفيف من نشاطها إلى حد ما منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وإن كانت قد امتنعت في الوقت نفسه عن قبول المبادرات الدبلوماسية التي قدمتها الحكومة الإسبانية للتوصل إلى اتفاق معها· أما في الشرق الأوسط وبعد رفضها للشروط التي قدمها الإسرائيليون في كامب ديفيد و طابا، فإن الجماعات العلمانية التابعة لياسر عرفات شجعت - وإن كانت قد قامت أحيانا بشكل مخفف بإدانة- أعمال العنف التي وقعت أثناء الانتفاضة الثانية·
بناء على تلك الأدلة والقرائن، يمكن القول إن امتناع الجماعات الإرهابية غير الإسلامية عن ممارسة الإرهاب المفرط والمدمر كان تكتيكيا ، الهدف منه هو أن تنأي بنفسها عن البن لادنية· بيد أن الإرهاب، مثله في ذلك مثل أشكال القوة المشروعة، ينفر من الفراغ· لذلك يمكن القول إنه إذا ما نجحت الحملة العالمية المضادة للإرهاب في هزيمة، أو احتواء، تنظيم القاعدة بشكل نهائي وحاسم·· فإن الإرهابيين من الطراز القديم سيعتبرون حينئذ، أن هناك عبئا سياسيا قد رفع عنهم· وعند ذلك قد يرون أنه من الأفضل بالنسبة لهم أن يعودوا إلى ممارسة أساليبهم الإرهابية القديمة، وخصوصا أنهم قد حافظوا على ترسانات أسلحتهم، وعلى شبكات مجنديهم، الأمر الذي سيجعل من العودة إلى الأساليب القديمة ، شيئا ميسورا·
يصعب القول إن بلير كان لينا في التعامل مع الإرهاب الجديد منذ الحادي عشر من سبتمبر، بيد أنه يتعين القول مع ذلك إنه على ما يبدو كان يدرك جيدا أن الفرصة المتاحة أمامه لترويض الجيش الجمهوري الأيرلندي، ستضيق عندما تفقد القاعدة قدرتها على العمل· ولكن المؤكد، أنه قد قلل من تقدير تأثير تنظيم القاعدة على زيادة قدرته على التعامل مع الجيش الجمهوري الأيرلندي·
ويذكر أن بلير قد اعتاد على مهادنة الجيش الجمهوري الأيرلندي، عندما كانت العملية السلمية معه تمضي قدما، دون أن يتقاضى المقابل لذلك وهو قيام الجيش بنزع أسلحته بمعنى الكلمة، كما تنص على ذلك اتفاقية الجمعة الحزينة· ويذكر أن ذلك الفصيل السياسي أي الاتحاديين يرفض