اليوم، وهنا في مدينة (جنيف)، يجتمع القادة المدنيون من كافة درجات الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني، لإعلان ما أصبح يعرف باسم (اتفاقية) جنيف، وهي اتفاقية غير رسمية تم التوصل إليها من خلال مفاوضات بغرض التوصل لتسوية دائمة بين الشعبين بعد عقود من نزيف الدماء، والقتل والتدمير·
والاتفاقية تجسد -ولأول مرة- ما يمكن أن تبدو عليه اتفاقيات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، الموثوق بها، والتي يمكن الوصول إليها من خلال التفاوض· وهي في سياق ذلك، تتناول جميع الاختلافات الرئيسية بين الطرفين، بما في ذلك الترتيبات الأمنية، وشكل الحدود النهائية، ووضع القدس، ومستقبل المستعمرات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، بالإضافة لحقوق اللاجئين، وحرية الوصول للأماكن المقدسة·
والمبادرة الخاصة بهذه الاتفاقية تعود لشهر يناير من عام 2001، وهو التاريخ الذي انتهت فيه المحادثات الرسمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في منتجع ( طابا) المصري· وباعتبارنا من المشاركين في تلك المفاوضات فإن ما أحسسنا به في ذاك الوقت، هو أنه كان بإمكاننا التوصل إلى اتفاق لو أتيحت لنا عدة أسابيع إضافية·
لسوء الحظ، كان شعور زملائنا من الإسرائيليين والفلسطينيين المشاركين في تلك المفاوضات، هو أن الفجوات بين رؤى الطرفين أكبر مما يمكن ردمه· وبعد الانتخابات الإسرائيلية التي جرت عام 2001، والتي خسر فيها ( إيهود باراك) رئيس الوزراء آنذاك أمام (أرييل شارون)، اتفق كلانا على استئناف العمل الذي قمنا به في ( طابا) - بصفتنا مواطنين عاديين· لقد أردنا إيجاد أرضية مشتركة، كما أردنا أن نظهر للإسرائيليين والفلسطينيين معا أنه برغم كل الإحباطات، وخيبات الأمل، وعلى رغم العنف في المقام الأول، فإنه بإمكاننا أن نحافظ على استمرار مناقشات ذات معنى·
كان طريقنا مليئا بالعقبات· فخلال تلك الفترة، تم منع الإسرائيليين من دخول الأراضي الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، وجد الفلسطينيون، أنه من الصعوبة بمكان بالنسبة لهم الحصول على أذن لدخول إسرائيل، أو السفر إلى الخارج· وهكذا،فإننا كنا نتقابل أحيانا عند نقاط التفتيش، ونقوم بإجراء مفاوضاتنا في سيارات·وفي مناسبات أخرى، أتاحت لنا الحكومة السويسرية الفرصة لإجراء تلك اللقاءات في الخارج·
ومن أجل دعم جهودنا، قمنا بتأسيس تحالفات واسعة· ففي الجانب الإسرائيلي مثلا قمنا بالعمل مع أشخاص من أحزاب (الليكود)، و (شينوي)، و(العمل)، و(ميريتس)، بالإضافة إلى مسؤولين كبار متقاعدين، وبعض رجال الاقتصاد والمفكرين· وعلى الجانب الفلسطيني كان هناك مسؤولون من فصيل (فتح) التابع لياسر عرفات، وكان هناك برلمانيون، وأكاديميون بارزون·
وفي نهاية المطاف، وفي شهر أكتوبر الماضي، تمكنا من وضع اتفاقية مكونة من 50 صفحة تشتمل خرائط تفصيلية على الطاولة· الوثيقة التي تضمنت الاتفاقية معقدة، وبالتالي لا يمكن تلخيصها، ولكن الفكرة المركزية فيها، هي أنه في مقابل السلام مع إسرائيل، سوف يتمكن الفلسطينيون أخيرا من الحصول على دولة منزوعة السلاح· كما سيحصلون أيضا على السيادة على (جبل المعبد)، مع ضمان حق الوصول إلى البقعة المقدسة لليهود من خلال قوات أمن دولية· بالإضافة لذلك، سيكون لدى إسرائيل الفرصة للمحافظة على بعض المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، والتي تشمل العديد من التجمعات اليهودية الجديدة المقامة على الجانب العربي من القدس·
إننا نعرف أن اتفاقيتنا لا تحظى بقبول عام في الشرق الأوسط، بل إن الحقيقة هي أن المعارضة لها قد بدأت في التصاعد حتى قبل أن نقوم بإعلانها· ففي هذا السياق، قام المتشددون في إسرائيل بانتقاد تفاصيل الاتفاقية، وانتقاد العملية الإجرائية الدبلوماسية الخاصة التي استخدمناها في التوصل لها· هذا على الجانب الإسرائيلي، أما على الجانب الفلسطيني فقد قامت الجماعات الفلسطينية الرافضة من حماس والجهاد الإسلامي، بعقد اجتماعات حاشدة غاضبة تهاجم المبادرة، وتهاجم هؤلاء الذين ساهموا في صياغتها·
ومع ذلك، وعلى رغم هذه المعارضة، فإننا نشعر بالسرور من حقيقة أن المبادرة تبدو وكأن لها تأثيراً إيجابياً على البيئة التفاوضية· وتلزم الإشارة في هذا السياق، إلى أننا قد قمنا بإرسال نسخة من الاتفاقية لكل بيت إسرائيلي، كما قمنا بنشرها في جميع الصحف الفلسطينية الكبرى· الأمر الأكثر أهمية، والأبرز دلالة، هو أن مسحا حديثا تم إجراؤه بالتعاون بين معهد (جيمس بيكر الثالث للسياسة العامة) التابع لجامعة (رايس) الأميركية، وبين ( مجموعة الأزمات الدولية) في واشنطن، قد توصل لنتيجة مؤداها أن ما يزيد على خمسين بالمئة من الفلسطينيين والإسرائيليين، يؤيدون المبادئ الجوهرية المتضمنة في تلك الوثيقة ·
من المهم أيضا، أن نشعر بأن هذا الاهتمام قد امتد إلى المجتمع الدولي· وفي الحقيقة أننا نشعر بالسعادة بسبب قيام كل من رئيس الوزراء البريطاني ( توني بلير) والسكرتير العام للأمم المتحدة ( كوفي أنان) ووزير الخارجية الروسي، إيجور إيفانوف)، بالإع