من الأمور التي ميز الله تعالى بها رسله أن أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم وبالآيات الدالة على تأييد الله لهم، وكل رسول كان يتميز بمعجزات تتناسب مع عصره وتتكيف مع ثقافة أمته التي أرسل إليها، وقد خص الله رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزات كثيرة تحققت، كان اعظمها على الاطلاق القرآن الكريم ومعجزات أخبر عنها تتحقق الآن في زماننا· ومن الكتب المهمة التي لفتت نظري حول هذا الموضوع كتاب معجزات الرسول التي ظهرت في زماننا للدكتور عبدالمهدي عبدالقادر أستاذ الحديث بجامعة الأزهر·
وميزة هذا الكتاب المهم أن مؤلفه جمع فيه الأحاديث النبوية التي أخبر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور ستحدث في زماننا وحدثت بالفعل، وسوف نركز هنا على بعض استنتاجات المؤلف من هذه المعجزات التي وقعت:
1- إخبار الرسول عن تداعي الأمم على المسلمين: في الحديث الذي رواه ثوبان مولى رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توشك ان تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قال: قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم كثير ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال: قلنا: وما الوهنُ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت· وصورة الاعجاز هنا تتمثل فيما يحدث اليوم حيث إن الأمم تداعت علينا من كل جانب ينادي بعضها بعضا لأخذ أكبر نصيب من الأمة الإسلامية يسلبون كل ما يمكن من المسلمين، الأرض والثروات والدين والعقول والأخلاق، تحكموا في أمورنا فأصبحوا يسيرونها كما يحبون وسلمنا لهم في كل شيء·
2- إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بصعوبة المحافظة على الدين: في الحديث الذي رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر·
وصورة الإعجاز هنا ان المسلم اليوم الذي يحرص على دينه يقاسي الأمرين من كثرة المنكرات فيقاوم ويجد من يدعو إليها ويشيعها ويجد أجهزة جندت لفرض هذه المنكرات يجاهد وحده وكثيرا ما يكون بنو جنسه أقسى عليه حتى أصبح المسلم اليوم كالقابض على الجمر يتحسر ويتلوى ويتألم ويحترق·
3- إخبار الرسول عن شيوع الربا: في الحديث الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره·
ووجهة الإعجاز هنا ان الربا انتشر وشاع في جوانب كثيرة من العالم الإسلامي وأصاب الناس جميعا، منهم من يأكله قصدا ومنهم من يرفضه لكن يصيبه منه القليل وذلك لشيوعه، وظهرت نظم عديدة للمعاملات أوقعت الناس في الربا شعروا أو لم يشعروا·
4- إخبار الرسول عن تسمية الخمر بغير اسمها: في الحديث الذي رواه أبو مالك الأشعري انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها غير اسمها، ويتحقق ذلك تماما اليوم هناك عشرات الأنواع من المسكرات بأسماء عديدة ومتنوعة لكن ليس فيها شيء اسمه خمر·
5-إخبار الرسول بغربة الإسلام: في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء، وصورة الاعجاز هنا انه وقع كما اخبر عنه الرسول في زماننا حيث اصبح الإسلام غريبا، المتمسكون به قلة والملتزمون به غرباء والكثرة الكثيرة من أهله لا يعرفون حدوده ولا يلتزمون بأصوله وإن من أهله من يحارب المتمسكين به ويحاربه هو إما نفاقا وإما جهلا· قل العلم في الناس وقل العمل وأصبح العلم عند الكثير هو علم الدنيا وأصبح العلم الشرعي عند من يعرفه غير مرتبط·· بالعمل وأصيب المسلمون من هذين البابين: قلة العلم وقلة العمل·
6- إخبار الرسول بالاقبال على الدنيا وترك الجهاد: في الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتهم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم·
ووجه الاعجاز الذي تحقق في زماننا من هذا الحديث: أن كثيراً من الناس اليوم يحرص على كسب المال ومن حرصهم عليه يقعون في الحرام غير مبالين وإنما مستهترين يلتقفون حيلة ويتصنعون وسيلة ويتمنون فتوى أو رأيا ضعيفا لا يحتاطون لدينهم يحرصون على الدنيا وشغلتهم الدنيا عن الدين.