قبلت الولايات المتحدة الأميركية بالفرضية التي تقول إن القمع للحركات الدينية هو الحل العملي لمنع تناميها،دون أن تعرض تلك المقولة للتفحص والاختبار، وقامت كثير من الدول الإسلامية تحت شعار محاربة الإرهاب بمزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان كما حدث في مصر وتونس وغيرها من دول عربية وإسلامية عديدة·
ذلك القمع العشوائي الذي شهدته الدول الإسلامية أدى إلى القضاء على قيم التسامح والتعددية واختلال السلطة القضائية مما خلق حالة عدم استقرار لهذه المجتمعات· من الواضح أن ذلك القمع أدى إلى تدهور أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة وأعاق الجهود التي كانت تبذل على مستويات عديدة لردم الهوة التي تفصلنا عن العالم الديمقراطي الحر لتطوير أنظمة الحكم في المنطقة والتحول نحو الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون والحريات المدنية والمساواة وغيرها من مفاهيم مغيبة عن هذه البقعة من العالم·
لم تقض تلك الانتهاكات على الحركات الدينية بل زادتها عنفاً وقادتها لابتكار أساليب جديدة للعمل بعيداً عن الأنظار فأفرزت توجهات أكثر تشدداً وأنتجت أفكاراً أكثر انعزالاً عن العالم ونقمة على المجتمع·
من الواضح أن هناك بوناً شاسعاً بين الخطاب الأميركي المتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والسياسة الخارجية التي توفر الدعم للأنظمة الإسلامية ذات الصبغة الاستبدادية·
وعلى رغم الانتقادات للسياسة الخارجية الأميركية حيال قضايا علاقاتها الاستراتيجية مع الأنظمة الإسلامية المستبدة، إلا أنه من الواضح أن ثمة تغييراً يحدث وإن كان لم ينضج بشكله النهائي· أحداث حرب العراق ربما تصب في مسار التغيير الذي تدفع به أميركا نحو إيجاد بيئة جديدة قد تساعد على خلخلة الأوضاع الحالية في المنطقة العربية نحو مزيد من الانفتاح· وإن كان التغيير في العراق مازال يواجهه كثير من الصعاب إلا أن هناك أملا كبيراً في إحداث تحول جذري في بيئة الاستبداد المنتشرة في المنطقة العربية، وللولايات المتحدة تجارب كثيرة في دعم الديمقراطية في أميركا الجنوبية ودول أوروبا الشرقية والدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي·
ويبدو من المفيد أن تفكر الولايات المتحدة الأميركية بتوسيع قنوات الاتصال مع مؤسسات المجتمع المدني في الدول الإسلامية وربط مساعدتها المالية ببرنامج إصلاح سياسي عملي يحد من انتشار الفساد واستغلال النخب الحاكمة امتيازاتها على حساب شعوب المنطقة·
كما أن الأمر يجب ألا يقتصر فقط على المساعدات المالية للدول الإسلامية ويجب أن يتجاوز ذلك من خلال توسيع قنوات الاتصال الثقافي والتجاري ودفع الدول الإسلامية للالتزام بالاتفاقيات الدولية وخصوصا في مجال حقوق الإنسان بشكل عام وقضايا المرأة بشكل خاص·
قد يكون النموذج العراقي هو المثال الحي أمامنا، فعلى رغم أن هناك مصالح أميركية واضحة ومباشرة من عملية التغيير، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أننا لسنا معنيين وليست لدينا مصالح من التحول نحو الديمقراطية في العراق وعلينا ألا ننسى أن النظام العراقي الذي غذى الاستبداد ما كان يمكن تغييره لولا العملية الجراحية التي قامت بها الولايات المتحدة في العراق ، كما علينا أن نتخيل كم هو مرعب الكابوس الذي ما تزال تعيشه أنظمة الاستبداد بفعل مشروع التغيير الأميركي·
عملية التغيير ليست بالعملية السهلة، والتراكمات التاريخية سوف تلعب دوراً في إعاقتها ، إلا أن ذلك لن يبرر الاستسلام لها ولن يعطل المشروع برمته·