في منتصف الشهر الجاري انهى مؤتمر القمة الإسلامي العاشر أعماله في ماليزيا، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما أضفى على أعمال القمة اهمية كبيرة باعتبار روسيا أحد أهم قوتين عسكريتين في العالم، وخصوصا أن جمهورية روسيا الاتحادية سبق وأن طلبت الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، لتمثيل الأقلية الإسلامية الكبيرة هناك والمقدر عددها بعشرين مليون نسمة·
وينطبق ذلك على العديد من البلدان التي تتواجد فيها أقليات إسلامية كبيرة، كالهند والفلبين وميانمار وجنوب افريقيا·
الملاحظ أن مؤتمرات القمة الإسلامية تطغى على جدول أعمالها الجوانب والقرارات السياسية، علما بأن هناك جوانب اقتصادية ذات أهمية بالغة للدول وللأقليات الإسلامية في مختلف بلدان العالم·
وللأسف تعاني معظم الدول والأقليات الإسلامية هذه من التخلف والفقر والأمية، تلك العوامل الناجمة عن تردي الاوضاع الاقتصادية، وذلك على رغم ما تتمتع به البلدان الإسلامية من ثروات كبيرة، فعشر دول من مجموع احدى عشرة دولة مكونة لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط أوبك هي بلدان اسلامية، هذا ناهيك عن البلدان المنتجة والمصدرة للنفط من خارج المنظمة، كمصر وعُمان وسوريا·
وإذا ما أضيفت إلى ذلك الثروات الطبيعية والمعدنية والزراعية الأخرى، فإن الثروات المتوفرة في هذه البلدان يمكن أن تساهم في اجتثاث الملايين من براثن الفقر والتخلف·
ويتطلب ذلك وضع التعاون الاقتصادي الإسلامي، كبند ثابت ورئيسي على جدول أعمال المؤتمرات الإسلامية القادمة، فطبيعة العلاقات الدولية في عصر العولمة تحتم الاهتمام بالتعاون والتنسيق الاقتصادي، ففي السنوات الماضية ظهر العديد من التكتلات الاقتصادية التي تجمعها المصالح المشتركة دون أية اعتبارات أخرى عرقية أو اثنية، حيث يمكن للاعتبارات الأخيرة أن تلعب دورا مساعدا في ذلك·
ولهذا التوجه دور مزدوج، حيث سيؤدي الى تحسين المستويات المعيشية للسكان، وإلى تقوية وتوثيق المصالح المشتركة بين الدول الإسلامية والبلدان ذات الاقليات الاسلامية، مما سيعزز من مواقع المجموعة الأولى على كافة المستويات في العلاقات الدولية·
وفي هذا الصدد هناك الكثير من المشروعات الاقتصادية المجدية والواقعية والقابلة للتطبيق في ظل الأوضاع والتطورات الدولية الراهنة، والتي يمكن لمؤتمرات القمة الاسلامية أن توليها الاهتمام اللازم في المستقبل·
ضمن هذه المشروعات العملية، تأتي إمكانية إقامة منطقة تجارة حرة لتنشيط التبادل التجاري البيني والذي ستستفيد منه قطاعات واسعة في المجتمع، كما أن هناك مشروعات كبيرة في مجالات البنية الأساسية يمكن أن تكون لها مردودات اقتصادية كبيرة، كربط البلدان المنضوية تحت هذا التجمع بشبكة مواصلات متقدمة، كالسكك الحديدية والطرق السريعة وربط شبكات الكهرباء والاستفادة من الثروات المائية·
وفي الوقت الحاضر، فإن الافتقار إلى الكثير من هذه الوسائل والبنى الأساسية يعرقل تنمية التبادل التجاري بين هذه البلدان ويفقدها طاقات وفرصاً تنموية كثيرة ومهمة·
ولحسن الحظ تتوفر في البلدان الإسلامية الموارد المالية التي يمكن تسخيرها لخدمة هذه التوجهات وتشغيل المشروعات المقترحة على أسس تجارية تخدم مصالح الجهات الممولة والمنفذة على حد سواء في القطاعين الحكومي والخاص، كما يمكن الاستفادة من التجارب الاقتصادية الناجحة في بعض البلدان الإسلامية، كالإمارات وماليزيا·
وبجانب ذلك، هناك مؤسسات تمويل إسلامية مشتركة وذات إمكانيات كبيرة، كالبنك الإسلامي للتنمية وبنك الخليج الدولي، والتي بإمكانها لعب دور محوري ضمن هذا التوجه الاقتصادي المهم والذي يتوجب أن تضعه المؤتمرات الاسلامية القادمة على رأس أولوياتها وأن تمنحه الأهمية التي يستحقها إلى جانب القضايا السياسية والخلافية الأخرى والتي لم تكن لها مردودات إيجابية على التعاون بين هذه الدول من جهة وعلى مستويات المعيشة للسكان من جهة أخرى·