كفى! هذه هي الكلمة التي يجب على الرئيس بوش أن يقولها بقوة وإيمان لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون · بغير ذلك فإن المتوقع هو أن يقوم شارون بالاندفاع إلى الأمام، وتحويل الإجراءات الأمنية التي يفترض أن القصد منها هو حماية الإسرائيليين، إلى أدوات لترويع الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، وتحويل حياتهم إلى عذاب لا يطاق· وكلمة كفى هنا ليست لها علاقة بالأدوات الدبلوماسية مثل خريطة الطريق على سبيل المثال، كما لا علاقة لها بأي شيء يتعلق باحترام كرامة وآدمية الإنسان· أولا أجد نفسي مضطرا إلى القول إن الفلسطينيين مسؤولون إلى حد كبير عن المأزق الحالي الذي تواجهه خريطة الطريق وعن الوضع المأساوي الذي يجدون هم أنفسهم فيه· ولكن هذا لا يعني، بأي حال من الأحوال أن يقوم شارون وغيره من الصقور في إسرائيل، بتمريغ جبين الفلسطينيين في التراب بموافقة ضمنية من قبل الرئيس بوش · إن الثمن الذي سيدفعه بوش نتيجة للبقاء صامتا سوف يحسب ليس بمقدار الأكلاف البشرية التي سيدفعها الفلسطينيون، ولكنه سيقاس، و يجب أن يقاس، من ناحية أنه سيقوم إلى حد خطير بتعقيد جهود الولايات المتحدة الرامية إلى تحقيق الهدوء في العراق، واحتواء إيران، وتشجيع الديمقراطية في العالم العربي وإعادة تأسيس قيادة أميركية غير قابلة للتحدي في العلاقات عبر الأطلسي· وحتى في أثناء انشغال بوش بخوض غمار حملة انتخابية رئاسية فإن تلك الأكلاف تبقى باهظة مع ذلك· يجب على الرئيس بوش أن يقوم بتحقيق قدر من التوازن في علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل· فواجب الإنصاف، ومقتضيات الحاجة العملية، وكذلك حقيقة أن إسرائيل قادرة على الذهاب إلى الكونجرس متجاوزة في ذلك أي رئيس للولايات المتحدة ، تتطلب كلها من بوش أن يقوم ليس فقط بالتظاهر بأنه يستطيع إجبار شارون على العمل ضد مصالح إسرائيل الأمنية حسب ما يراها الأخير·· ولكن تتطلب منه أن يقوم أيضا بإثبات قدرته على تقويم اعوجاج تجاوز كافة الحدود· ولكن ليس معنى هذا أن يقوم بوش بالحيلولة بين إسرائيل وبين حماية نفسها· فالولايات المتحدة التي كانت لوحدها تقريبا، كانت على حق تماما عندما قامت بالتصويت ضد قرار الجمعية العامة بإدانة عملية إنشاء الجدار الفاصل الذي تقوم إسرائيل ببنائه حول الضفة الغربية· فهذا القرار الأحادي الجانب الصادر عن الجمعية العامة، تجاهل الاستفزازات الإرهابية غير الإنسانية التي كانت السبب في إطلاق مفهوم إقامة مجموعة من الجدران الوقائية، والمناطق العازلة، وأبراج المراقبة ، والمراصد الإليكترونية، وغيرها من الوسائل الهادفة إلى منع التسلل من قبل المهاجمين الانتحاريين ·
غير أن هذا التصويت الأميركي السلبي يلزم البيت الأبيض الآن بضرورة التأكد من أن النظام الأمني الذي تقيمه إسرائيل عادل في المقام الأول· فهذا هو ما تفعله البوصلة الأخلاقية الأميركية عادة·
فنظرا إلى أن الجدار الفاصل قد توغل عميقا في أراضي الضفة الغربية، فإنه أصبح يأخذ باستمرار مظهر الأداة التي تهدف إلى تجزئة الوجود المادي والسياسي للفلسطينيين، بدلا من الاكتفاء فقط بمجرد منعهم من التسلل· وهذا الجدار سوف يقوم أيضا بترسيخ أوضاع المستعمرات الإسرائيلية الرئيسية، إلى درجة لن يفلح معها أي اتفاق سلام في تفكيكها بسهولة· إن أسلوب المناطق الأمنية يعتبر في حد ذاته إقرارا بأن شارون يقوم ببناء جدار كي يستبق الآخرين ويحول دون التوصل إلى أية تسويات ذات معنى ، وليس من أجل تسهيل التوصل إلى تلك التسويات· لقد عبرت الإدارة الأميركية عن عدم إحساسها بالراحة تجاه الجدار الفاصل، بيد أن شارون تمكن من الالتفاف بسهولة حول رد الفعل الأميركي المحدود هذا باستخدام تكتيكات مماطلة بارعة· وكما هو مفهوم فإن بوش يكره أن يضحي بعلاقات العمل الجيدة التي قام بتأسيسها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكن ذلك يجب ألا يحول دونه ودون القيام بإفهام رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن العلاقة بين الدولتين هي علاقة ذات اتجاهين · وهو ما يجعل ذلك الجدار اختباراً لنوايا شارون·
ينطبق الشيء نفسه أيضا على سياسة إسرائيل الخاصة باستهداف قادة ونشطاء الجماعات الإرهابية الفلسطينية· فعلى رغم أن شارون قد وعد بوش بأنه لن يستهدف إلا المتورطين، أو الذين يحتمل قيامهم بتنفيذ هجمات انتحارية، إلا أن ذلك المعيار في حد ذاته، تقل أهميته باستمرار وخصوصا بعد اتساع نطاق العمليات الانتحارية من جهة، وبعد أن أصبحت نية إسرائيل في تصفية قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية متى حانت الفرصة ، أكثر وضوحا·
هناك نوع من الفكر الخلاق يتم الآن في قيادة منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل حول مد نطاق الشراكة الدفاعية بين دول الحلف لتشمل برنامجا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وربما يكون ذلك بالاشتراك مع الجهود التي سيقوم بها الحلف في تحقيق الهدوء والاستقرار في العراق· وهذه الخطوات يمكنها بدورها أن تساعد على تمهيد الأرضية لتكوين قوة سلام دولية في النهاية، كي تلعب دورا كعنصر في