لفترة طويلة كنت معارضا شرسا لفكرة توسيع حلف الناتو · وكان سبب هذا الموقف، هو خوفي من أن يؤدي ذلك التوسع إلى إضعاف المنظمة· أما الآن وأنا أرى الناتو يقوم بتوسيع نطاقه ليضم 26 دولة فإنني أقول: ولماذا تكتفون بذلك العدد؟ · إن الواقع العملي، يشير إلى أن التهديدات المستقبلية للحلف لن تأتيه من الشرق أو من روسيا ، وإنما ستأتيه من الجنوب، وتحديدا من الشرق الأوسط وأفغانستان· يعني ذلك أنه إذا ما كان الناتو يسعى حقا لتأمين أوروبا ، فإنه لم يعد بمقدوره أن يظل في أوروبا فقط، وإنما يتوجب عليه أن يقوم بمد يد المساعدة لتأمين تلك المناطق أيضا· لكي يقوم الناتو بذلك، عليه أن يضيف أعضاء جددا مثل العراق و مصر و إسرائيل · دعونا نتناول هذا الأمر من الناحية المنطقية· نبدأ أولا بالعراق ونقول إنه إذا ما ظهرت حكومة شرعية في العراق ، فإننا سوف نواجه وبسرعة بتحديين أمنيين: الأول: ما هو حجم الجيش الذي يجب أن يكون لدى العراق؟ حول هذه النقطة نحيل إلى الملاحظة التي أبداها مايكل ماندلباوم خبير الشؤون الخارجية بمؤسسة جونز هوبكنز والتي قال فيها: العراق في حاجة إلى جيش بحجم كبير يكفي لردع إيران ، على ألا يكون كبيرا إلى الدرجة التي يمكن معها استخدامه لخنق الديمقراطية العراقية، وتهديد الجوار بأكمله·· على النحو الذي كان عليه جيش صدام حسين ·
باختصار، إننا نريد أن يكون للعراق جيش صغير الحجم على أن يكون هذا الجيش في الوقت نفسه فعالا وقادرا على معادلة قوة الجيش الإيراني· وأفضل طريقة في رأيي ، يمكن بها تحقيق ذلك هي السماح للعراق بالانضمام إلى الناتو ، لأن هذا الانضمام كفيل بمنحه قوة ردع، دون أن يكون مضطرا للاحتفاظ بجيش كبير·
التحدي الثاني: إنه حتى إذا ما حصل العراق على حكومة ديمقراطية، فإن هذه الحكومة ستظل هشة لفترة طويلة من الوقت، وبالتالي فإنها ستكون مضطرة للاحتفاظ بقوة معينة في الاحتياط، على مقربة من المسرح كي تخدم كضامن للديمقراطية الجديدة، وبحيث لا يتمكن حزب أو شخص من اختطاف النظام مرة ثانية· معنى ذلك أن مثل هذا الجيش سيعمل كراع للديمقراطية بالطريقة نفسها التي يقوم بها الجيش التركي بذلك في تركيا المعاصرة· القوة النموذجية التي سيمكنها القيام بهذه المهمة هي قوة موحدة عراقية ومتعددة الجنسيات في الوقت نفسه شأنها شأن الناتو ، ولكنها تضم أيضا مكونا عربيا - إسلاميا· ولو كان العراق عضوا في الناتو ، فإن مسألة نشر هذه القوة كانت ستكون أسهل كثيرا حيث يمكن مثلا وضعها في قاعدة تقع في الصحراء ،ولكنها موجودة دائما في الخلفية، تحسبا لأي طارئ ·
يقودنا هذا إلى الحديث عن السبب الذي بموجبه سيتعين على الناتو أن يقوم بدعوة مصر وهي القوة البشرية· فكما شرح لي اللورد روبرتسون السكرتير العام للناتو ·· يوجد لدى الأعضاء الأوروبيين في الناتو ومعهم كندا قوة موحدة يبلغ قوامها الإجمالي 1,4 مليون جندي في الخدمة العاملة· ومن هذا العدد يوجد فقط 55 ألف جندي قابلون للاستخدام في مهمات بالخارج· أما الآخرون فهم إما جنود يقومون بأعمال مكتبية، أو جنود غير مدربين على القيام بأي شيء سوى التمركز في وضع السكون في أوروبا من أجل ردع الاتحاد السوفييتي، وهو ما يعني أنهم سيكونون بحاجة إلى القيادة والسيطرة اللوجستية والهندسية، والإسناد اللازم للقيام بتنفيذ عمليات بعيدة المدى·
إلى ذلك نجد أن الكثير من الجيوش الأوروبية غير موحدة، وليس لديها الاهتمام بالعمل في عطلات نهاية الأسبوع! وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن الجنود الأوروبيين والكنديين القابلين للاستخدام في مهام بالخارج، والذين يبلغ عددهم الإجمالي 55 ألف جندي كما قلنا، منتشرون الآن في مهام حفظ سلام، في غيبة أية عملية لإعادة هيكلتهم عسكريا، فإننا سندرك عندئذ أن هناك احتمالا كبيراً للغاية لأن يصبح الناتو متمددا على مساحة كبيرة، وكذلك نحن أيضا·
ولكن الوضع يختلف مع مصر ، التي توجد لديها قوة عسكرية فائضة ليس لديها الكثير مما يمكن أن تقوم به· وإدخال الجنود المصريين إلى الناتو سيضفي عليه الشخصية الإسلامية العربية التي سيحتاجها و التي ألمحنا إليها آنفا، وسيجعل من الأيسر إلى حد كبير بالنسبة له، أن يقوم بمهام حفظ السلام في أفغانستان والعراق، مع القيام في الوقت نفسه بتوفير الموارد والمكانة للجيش المصري، مع القيام بربطه بالغرب في الوقت نفسه· إضافة إلى ذلك ، فإن التبرير الوحيد الذي قدمه مؤيدو نظرية توسيع الناتو بحيث يشمل الدول التي توجد فيها أنظمة ديمقراطية لا زالت غير مستقرة في أوروبا الشرقية، كان هو أن ذلك التوسع سوف يؤدي إلى تعزيز عملية الدمقرطة والاستقرار في تلك الدول· وهنا نتساءل: وهل هناك مكان أفضل من مصر والعراق يمكننا فيه أن نقوم بتعزيز الإصلاح؟ من الأمور المؤكدة أن هاتين الدولتين في نفس مستوى أهمية دولة مثل لاتفيا ·
ستكون هناك حاجة أيضا إلى إدخال إسرائيل في الناتو ، لأن المؤكد أن أية عملية سلام ستكون أيسر بكثير، إذا ما قمنا بإعطاء الإسرائيليين إحساسا أعمق بالأمن