في عام 1948 ، عندما التقى الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان مع مستشاره لبحث ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة أن تعترف بدولة إسرائيل اليهودية، التي كانت على وشك أن تعلن في ذلك التاريخ أم لا، جرى تذكيره من قبل كبار موظفي وزارة الخارجية بالهموم العربية، وبالمصالح الأميركية في المنطقة· وكانت استجابة ترومان لتلك النصائح بالغة الدلالة حيث قال: آسف أيها السادة··· ولكنني مضطر للاستجابة لرغبات مئات الآلاف من اليهود الذين يتطلعون إلى نجاح الصهيونية··· وليس هناك مئات الآلاف من العرب في دائرتي الانتخابية ·
وبعد مؤتمر القيادة الوطنية الذي نظمه المعهد العربي الأميركي نهاية الأسبوع الماضي، غدا واضحا أن هناك شيئا ما قد تغير في السياسات الأميركية··· حيث لم يعد ممكنا لرئيس، أو حتى لمرشح لمنصب الرئيس في أميركا أن يردد ما قاله ترومان عام ،1948 بعد أن أصبح العرب الأميركيون جزءا راسخا ومحترما ومعترفا به من المشهد السياسي الأميركي·
يتبدى ذلك من قيام رئاسة لجنة إعادة انتخاب الرئيس بوش، وثمانية من إجمالي تسعة مرشحين ديمقراطيين للرئاسة بقبول الدعوة لمخاطبة مؤتمر القيادة الوطنية · بيد أن الأميركيين العرب يجب ألا يبالغوا في مغزى ذلك أو يقللوا من أهميته كذلك، وإنما عليهم أن يعرفوا أن أصوات الأميركيين العرب تتمركز في عدد قليل من الولايات الانتخابية الأساسية، وأن نفوذهم في تلك الولايات لا يزال محدودا نسبيا· ولكن إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن المنافسة في انتخابات عام 2004 سوف تكون شديدة، كما كان الحال في انتخابات عام 2000 فإننا سندرك أن أية جالية حتى لو كانت صغيرة يمكن أن يكون لها تأثير - بشرط أن تكون منظمة بشكل جيد·
ولعل هذا هو السبب الذي دفع عددا من المرشحين للمجيء وخطب ود الناخبين من الأميركيين العرب الأسبوع الماضي· والشيء الجدير بالذكر بشكل خاص، هو ما قام به عدد من المرشحين من جهد وتصميم على تناول الهموم السياسية للجالية العربية في أميركا، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي·
فقد قام عدد من الديمقراطيين على سبيل المثال بتوجيه اللوم لإدارة الرئيس بوش بسبب عدم قيامها بإدانة التعليقات المعادية للمسلمين التي أدلى بها الجنرال جيري بويكين ، كما لم يقصروا في الهجوم على سياسات وزير العدل جون أشكروفت المضادة للعرب·
وحتى رئاسة لجنة إعادة انتخاب بوش أقرت بأن هذه السياسات في حاجة إلى المراجعة وإعادة التنظيم· وكان العراق محورا رئيسيا من محاور المناقشة التي جرت الأسبوع الماضي، والتي وافق فيها معظم الديمقراطيين من حيث الجوهر على الحاجة إلى سياسة جديدة للمساعدة في جهود الولايات المتحدة لإعادة إعمار العراق بعد الحرب· كما كان هناك رفض شبه تام لمبدأ الأحادية، والضربات الاستباقية، وإجماع على ضرورة الحاجة للقيام بشكل سريع بإشراك الأمم المتحدة والشعب العراقي في جهود إعادة بناء ذلك البلد·
الشيء الأكثر لفتا للنظر، هو تعليق المرشحين الديمقراطيين على الصراع العربي-الإسرائيلي· مرة أخرى كان هناك إجماع كبير على الحاجة إلى حل الدولتين، وكان هناك نقد حاد لفشل إدارة بوش في البقاء منخرطة بشكل فاعل ومتواصل في عملية البحث عن السلام ·
وفي هذا السياق أكد عضو الكونجرس ينيس كوسينيتش وهو المدافع العتيد عن الحقوق الفلسطينية موقفه القوي والمتوازن بخصوص سلام الشرق الأوسط· كما تلقى المحافظ إدوارد دين تصفيقا حارا ومتواصلا بسبب ما أعلنه عن تعهده بتعيين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كمبعوث للسلام في الشرق الأوسط· لقد نجح المؤتمر، ومثل نقطة تحول للأميركيين العرب، وللسجال السياسي الأميركي الدائر حول مسائل الشرق الأوسط·
إن حقيقة أن الأميركيين العرب أصبحوا الآن متواجدين على الساحة، ويتم الاعتراف بهم، تعني أن آراءهم- وإن كانت غير حاسمة- أصبحت تؤخذ في الحسبان، وهو أمر في صالح الجالية وصالح أميركا كذلك·
ملاحظة نهائية: إن أهمية مؤتمر القيادة القومية قد تم الاعتراف بها من قبل الصحف القومية التي قامت بتغطية وقائع المؤتمر بشكل يومي، وأجرت لقاءات مع الحاضرين من الأميركيين العرب· كما قامت الصحف الأميركية الرئيسية بتناول أخبار المؤتمر في صدر صفحاتها الأولى في تعليقات كان من بينها:
تزايد النفوذ الانتخابي للأميركيين العرب ·· و الأميركيون العرب يتحدون من أجل الحصول على دور سياسي أكثر أهمية ·· و المرشحون للرئاسة يخطبون ود الأميركيين العرب وغير ذلك من تعليقات·
وحتى بعد أن انتهى المؤتمر، فإن واحدا من أكثر المعلقين السياسيين الأميركيين احتراما، كتب في عموده الذي يتم نشره في عدة صحف في وقت واحد، عن الرحلة الناجحة التي قام بها الأميركيون العرب على مدار عقدين من الزمان، إلى أن أصبحوا جزءا لا يتجزأ من التيار الرئيسي للسياسة الأميركية· واختـــــتم هذا الكـــاتب عموده بالقـــول: إن الجـــماعة التي تعـــترف -وتكافئ- المطالبين الجدد بالسلطة السياسية، هي التي ستبقى وتزدهر··· وهذا هو السبب في الأهمية الت