كرم ملتقى القاهرة الثاني للإبداع الروائي العربي قبل أيام الأديب المصري صنع الله إبراهيم بمنحه جائزة الملتقى الذي عقد لأيام في دار الأوبرا المصرية• جاء كل من له علاقة بالأدب والسياسة، وأعلن اسم الفائز رئيس لجنة التحكيم الأديب الطيب صالح، وصعد الكاتب إلى المسرح وصافح وزير الثقافة المصري فاروق حسني والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة جابر عصفور ومن كان من المفترض أن يصافحهم وصفق الجمهور كما يحدث في مثل هكذا “مسرحيات”، وتماسك صنع الله إبراهيم حتى النهاية، وأخرج ورقة من جيبه حملت عصارة غضبه وموقفه مما هو حاصل على مسرح الحياة التي نعيشها في العالم العربي ومصر جزء من هذا العالم•
قال الروائي الكبير: “أعلن رفضي لتسلم الجائزة (قيمتها 100 ألف جنيه مصري) من السلطة التي تعمل على قمع الشعب المصري وترهن سياستها الخارجية بإسرائيل وتقبل بوجود السفير الإسرائيلي على رغم كل الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من قمع وسفك للدماء”• التقط كل من على المسرح وفي دار الأوبرا الأنفاس إلى أن استطرد إبراهيم قائلاً: “في هذه اللحظة التي نجتمع فيها هنا تجتاح القوات الإسرائيلية ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، لكن العواصم العربية تستقبل زعماء إسرائيل بالأحضان• وعلى بعد خطوات من هنا يقيم السفير الإسرائيلي في طمأنينة• وعلى بعد خطوات أخرى يحتل السفير الأميركي حياً بأكمله من العاصمة بينما ينتشر جنوده في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربياً”• وأشار صنع الله إبراهيم إلى “التهديد العسكري الفعلي لحدود مصر الشرقية، والإملاءات الأميركية وإلى تفشي الفساد والنهب نافياً وجود صناعة أو زراعة أو عدل أو مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم”• وقال: “إن الواقع مرعب وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت ولا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته”•
وتوجه إبراهيم للحضور وقال: “لن أطالبكم بإصدار بيان يستنكر ويشجب فلم يعد هذا يجدي• لن أطالبكم بشيء فأنتم أدرى مني بما يجب عمله وأنتم أساتذة أجلاء ورواد للابداع تمثلون الأمة التي أصبح حاضرها في مهب الريح”• وترك إبراهيم خشبة المسرح وخرج من دار الأوبرا وبدأت ردود الفعل• وزير الثقافة المحرج لم يجد في “جراب الحاوي” غير اتهام صنع الله إبراهيم بأنه “مادي” ورفض الجائزة لأن قيمتها أدنى من قيمة “جائزة العويس” التي قبلها الكاتب الأديب في عام •1993 ولو لم يقل ما قال لكان أجدر به وبمنصبه• أم أن الإناء بما فيه ينضح؟ وفجأة أعلن أدباء وكتاب بينهم أعضاء في لجنة تحكيم الملتقى في بيان أصدروه تضامنهم مع صنع الله إبراهيم وأكدوا أن موقفه “يعبر عن موقفنا جميعاً”، وكأنهم فجأة تذكروا أن بإمكانهم نصرة الحق ولو ببيان مكتوب••• وهناك فرق•
تحية إلى صنع الله إبراهيم من العقل والحنجرة والفؤاد• تحية إلى شجاع فارس قال كلمته ومشى• تحية لمن امتهن الكلمة طريق حياة وآمن بها وما زال يحث أمة الضاد على الإيمان بها نبراساً يوصلنا إلى الحق• تحية لحنجرة صرخت في زمن الحشرجة والصمت• وتحية لفؤاد أبيض لم تدنسه الدولارات ولن تدنسه ملايين الجنيهات••• أو الينات أو الدراهم أو الليرات• تحية لمن تحمل المسؤولية ووقف وقفة عز اشتاقت الثقافة العربية لها•