أصبحت ثورة المعلومات أحد معالم النظام العالمي الجديد• وهي ثورة تقاربها بعض الدول العربية ولكنّها لم تأخذ بها كلّها• وقد غدت ثورة المعلومات دالة على ما نحن متجهون إليه• ففي الثورة الصناعية الأولى، في مطالع القرن التاسع عشر، كان للتطبيق العملي للبخار على الطواحين ووسائل النقل تأثير قوي على الاقتصاد والمجتمع والدولة • فقد تحولت أنماط الإنتاج والعمل وظروف المعيشة والطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية• ونشأت التربية العامة و التعليم العام نظراً إلى الحاجة إلى عمّال متعلمين مدرّبين للعمل في مصانع متزايدة التعقيد، وإلى قوّات شرطة للتعامل مع تضخم المدن والمجتمعات وإلى إقامة بنى تحتية مناسبة.
أما الثورة الصناعية الثانية، في مطالع القرن الماضي فقد اخترعت الكهرباء والهاتف (التلفون) وآلة الاحتراق الداخلي• و قد أحدثت هذه الثورة تغييرات اقتصادية واجتماعية جد مهمة، و بخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت قاعدة للثورة الصناعية الثالثة، أو لثورة المجتمع ما بعد الصناعي• فقد تحولت الولايات المتحدة والشعوب الأوروبية من أمم يغلب عليها الطابع الزراعي إلى أمم صناعية حضرية مدنية بالدرجة الأولى، إذ كان معظم الأميركيين والأوروبيين يشتغلون في المزارع• وفي ظلّ الثورة الصناعية الثانية غدا أغلب الأميركيين والأوروبيين يسكنون في المدن ويعملون في المصانع ويستعملون الكهرباء والهاتف وهنا نشأت نقابات العمال وجمعياتهم، وأصبحت ذات أهمية في المجتمع الغربي وذات تأثير مباشر على الحكم.
لقد أدخلت نقابات العمال و جمعياتهم -وهي مؤلفة في معظمها من عناصر من الحزبين الرئيسيين الأميركيين الجمهوري والديمقراطي- تشريعاً مضاداً لسيطرة الاحتكارات، واستطاعت تطبيق أحكام قانون خاص لحماية المستهلك ، ودفعت مجلس الاحتياط النقدي إلى اتخاذ خطوات لتحقيق استقرار الاقتصاد• وهكذا نهضت الولايات المتحدة الأميركية إلى مكانة دولة عظمى في السياسة الدولية• أما الثورة الصناعية الثالثة نظراً إلى تميزها بالتطور الصناعي والتكنولوجيات (التقانات) المتقدمة وخاصة في مجال الصناعة العسكرية وفي مجال ثورة المعلومات والعولمة فقد أحدثت تغييرات جذرية في الاقتصاد والمجتمع والحكومة والسياسة العالمية.
إن ثورة المعلومات و العولمة تساعدنا على اكتناه بعض القوى التي ستشكل جوهر السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين • ولنا أن نلاحظ أن تغيّر الاقتصادات وشبكات المعلومات يجري في سرعة أكبر من سرعة تغير الحكومات، وينمو أسرع من تنامي السيادة والسلطة• وهذا يعني أن التقنية الحديثة تحوّل مجاري السياسة العالمية ومسالكها تحويلاً رئيساً• وليس لنا إلاّ أن نتعلم الثورات الصناعية وما أدت إليه من نتائج ومنها ثورة المعلومات، حتى نستطيع العيش في القرن الحادي والعشرين والتعامل مع قواه العظمى.