على الأرجح أن يتحول مشروع قانون "محاسبة سوريا" واستعادة السيادة اللبنانية المقترح من قبل الكونجرس الأميركي، إلى قانون نافذ في القريب العاجل. ومن جانبه ألمح البيت الأبيض إلى أن الرئيس بوش لن يعترض على هذه المبادرة الجديدة الخاصة بالسياسة الخارجية للبلاد• تحديدا فإن مشروع هذا القانون يدعو سوريا إلى الكف عن تبنيها ورعايتها لـ”حزب الله” وغيره من الجماعات الإرهابية الأخرى• بل إن هذه الدعوة تحمل سوريا مسؤولية كافة العمليات والممارسات المنسوبة إلى هذه الجماعات• وضمن المطالب، فإن القانون الجديد يطالب سوريا بوضع حد لاحتلالها للأراضي اللبنانية• وفيما إذا لم تستجب سوريا لهذه المطالب، فإن القانون ينص على فرض المزيد من تقييد المعاملات التجارية والاقتصادية معها، وكذلك خفض مستوى التعاقدات التجارية المبرمة، علاوة على فرض قيود على تحركات أفراد طاقمها الدبلوماسي الموجود في الولايات المتحدة الأميركية، سيما أولئك الذين يمثلونها في كل من واشنطن ونيويورك •
وفي رأيي أن النتائج العملية لهذا القانون لن تكون على قدر المأمول أو أنه يرجى منها الكثير، وخاصة أن سوريا قد أدرجت أصلا في القائمة التي أعدتها الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب• أضف إلى ذلك أن قيودا قد فرضت سلفا على تحركات الدبلوماسيين السوريين، وكذلك على التعاقدات والمعاملات التجارية والاقتصادية معها• مع ذلك فإن مشروع القانون الجديد الذي سيصدره الكونجرس يمثل خطوة باتجاه فتح مواجهة علنية في جبهة العلاقات الأميركية-السورية•
يذكر أن هذه العلاقات كانت في الماضي تتصل على نحو مباشر بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني• وقتها كان الاعتقاد السائد طوال عقد التسعينيات، هو أنه ما أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، حتى يغدو ممكنا وعلى نحو تلقائي، عقد اتفاقيات سلام مشتركة بين كل من سوريا وإسرائيل ولبنان، وتسوية الخلافات بينها جميعا• وفقا لذلك التصور وتبعا لتلك الظروف، فقد كان في بال الولايات المتحدة الأميركية أنه سيكون في الإمكان معالجة كافة القضايا التي تمثل هاجسا بالنسبة لها في علاقتها بسوريا -تحديدا قضية رعاية الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية، وبرامج أسلحة الدمار الشامل وغيرها- وأنه سيغدو ممكنا حلها ما أن تبرم صفقة سلام بين سوريا وإسرائيل، وخاصة أن صفقة كهذه سيتعذر أصلا إبرامها ما لم تحل القضايا المذكورة آنفا•
ولكن ما استجد في الساحة مع هذه الترتيبات، هو وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما خلفته من تداعيات أمنية واستراتيجية أدت إلى تغيير إطار العلاقات الأميركية-السورية• يجدر بالذكر هنا أن سوريا كانت من الدول التي أبدت تعاونا كبيرا مع الرئيس جورج بوش عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة، بسبب عداء سوريا وتناقضاتها الخاصة مع تنظيم “القاعدة”• وكانت أجهزة الاستخبارات السورية قد وفرت معلومات في غاية الأهمية والفائدة للولايات المتحدة الأميركية• هذه بعض الأسباب التي أدت إلى عدم إدراج سوريا ضمن قائمة دول “محور الشر” التي أعلن عنها الرئيس بوش في خطابه عن “حالة الاتحاد” الذي ألقاه في شهر يناير من عام •2002 وكان ذلك الاستثناء قد تم على رغم مواصلة سوريا دعمها لـ”حزب الله” وحركة “حماس” ومنظمة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية، واستضافتها لعدد آخر من المنظمات والحركات الفلسطينية التي تكرس نشاطها وعملياتها لتدمير إسرائيل•
ثم جاءت حرب العراق لتزيد الطين بلة وتمضي بالسوء إلى آخر مداه ونهاياته• ذلك أن سوريا قد أعلنت موقفها الحازم والرافض للحرب على العراق، علاوة على العلاقات الاقتصادية التي ربطت بينها ونظام صدام حسين في السنوات الأخيرة من عمر ذلك النظام• وفي غضون الأسابيع الأولى التي بدا فيها أن قوات التحالف الدولي قد تورطت في الوحل العراقي، كان الرئيس السوري بشار الأسد قد أطلق تصريحات غير مستحبة إطلاقا بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، دعا فيها الأمة العربية إلى توحيد صفوفها وإرادتها، والعمل معا من أجل تحويل العراق إلى لبنان آخر• وفي تلك الدعوة إشارة لا تخفى بالطبع إلى أحداث عامي 1982 و1983 التي أعقبت الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان• وقتها كانت القوات الأميركية قد تعرضت إلى هجوم دموي مريع من قبل مقاتلي “حزب الله”• وخلال فترة الحرب على العراق تواتر وصول المعلومات والتقارير الاستخباراتية التي تشير إلى تستر سوريا على أنشطة القوات العراقية، وكذلك شائعات عن وجود أسلحة عراقية مخبأة في سوريا، إضافة إلى فشل سوريا في قفل وتأمين حدودها مع العراق• وقد أسهمت كل هذه الشائعات والمعلومات والتقارير في زيادة تشويه صورة سوريا المشوهة أصلا في نظر الكونجرس الأميركي• وآخر مسمار دق في نعش هذه العلاقة، ما حدث مؤخرا في الخامس من شهر أكتوبر الجاري من رد إسرائيلي على العملية الانتحارية التي نفذت ضدها في حيفا، فهاجمت قاعدة قيل إنها تابعة لجماعة إرهابية ناشطة ضد إسرائيل، ووجهت لها ضربة داخل الأراضي السوري