تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003:
نواقص في المعرفة والحرية
وتمكين النساء... ونافذة للحوار


كان تقرير التنمية البشرية العربية، حادا وصريحا ونافذا في انتقاده الأوضاع والسياسات الرسمية في الوطن العربي، عندما ظهر لأول مرة في عام ،2002 وأثار ردود فعل ونقاشات حامية، إلى درجة تساءل معها البعض: وماذا تبقى ليقوله التقرير الثاني في عام 2003؟
لكن التقرير الثاني أعلن رسميا يوم الاثنين الماضي، خلال حفل ترأسته في العاصمة الأردنية عمان، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة والمدير الإقليمي لمكتب الدول العربية ريما خلف، وجاء تحت عنوان نحو إقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية، واشتمل نصه الذي جاء باللغتين العربية والإنجليزية، على 200 صفحة من القطع الكبير وعلى قسمين وتسعة فصول·
وكما في تقرير التنمية البشرية العربية لعام ،2002 رسم التقرير الحالي صورة قاتمة للعديد من أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول العربية ·
وفي محوره الرئيسي يقول التقرير عن الجهود العربية في التصنيع وحيازة التكنولوجيا، إنها تقوم على شراء وسائل الإنتاج والتقنيات باعتبار أن ذلك سيفضي إلى نقل التقنية وتوطين روح المجتمع الصناعي، في حين أنه يخنقها ويعطلها على الصعيد المحلي· وكما أدت تلك الاستراتيجية إلى خسائر فادحة لمنظومة المعرفة العربية، فبسببها أيضا ظلت الصناعات العربية ذات مستوى تقني متدن، وبقي إنتاجها معتمدا على السلع الاستهلاكية والنشاط الأولي·
ويشير التقرير إلى أن المعرفة الكثيفة لم تصبح بعد أحد المحددات الجوهرية للإنتاج الاقتصادي في البلدان العربية، وأنه من ثم لازال الطلب المجتمعي على المعرفة محدودا ونخبويا بالأساس· ففي مجال الحاسب الآلي مثلا هناك تأخر كبير في الدول العربية، حيث لا يوجد سوى أقل من 18 جهاز كومبيوتر لكل ألف شخص، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يزيد على 78 جهازا· أما الكتب الأكثر رواجا في العالم العربي فلا تتجاوز 5 آلاف عنوان، على رغم أن سكان العالم العربي يزيد عددهم على 270 مليون شخص في 22 دولة عربية·
ويتحدث التقرير عن ثلاثة عوامل ترتبط بحالة التردي في أوضاع المعرفة والثقافة في الوطن العربي؛ أولها تدني أداء التربية والتعليم وافتقار مخرجاتهما إلى علاقة متينة مع الواقع، وثانيها ضمور الطبقة الوسطى وتقلصها الذي جعل من بناء منظومة المعرفة العربية مهمة أكثر عسرا· والثالث هو دور السلطات في التقييد والرقابة مما يكبل النشاط العقلي الحر ويخمد شعلة التعليم ويقتل الإبداع والابتكار·
وينتقد التقرير وضع الحريات وحقوق الإنسان في الدول العربية، ويرى أن الحرب على الإرهاب أعطت مبررا واهيا للسلطة في الدول العربية للغلو في كبح الحريات، وأن السياسات والإجراءات الصارمة التي اتخذتها الولايات المتحدة خلال هذه الحملة للتضييق على الحريات العامة··· تبنتها دول عربية·
وانتقد التقرير كذلك الميثاق العربي لمحاربة الإرهاب باعتبار أنه يفتح الباب لإساءات ضد حقوق الإنسان، ولا يحرم صراحة الاحتجاز أو التعذيب، ولا يتيح السبيل للاعتراض على قانونية الاعتقال·
وإذ يشدد تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2003 على ثلاثة نواقص (نقص المعرفة، ونقص الحرية، ونقص تمكين النساء)، فذلك لكي يؤكد على أن تحدي التنمية في الوطن العربي لا زال قائما، بل ازداد خطورة خلال الفترة التي أعقبت التقرير الأول، وأنه لا زال في جعبة الواقع العربي مزيد من الأزمات للتحدث حولها مجددا·
ويصدر تقرير التنمية البشرية العربية دوريا كل سنة منذ عام ،2002 بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي· وتشرف على أعمال التقرير المسؤولة الأممية ريما خلف (وزيرة أردنية سابقة)، ويشارك في إعداده أكثر من 30 مثقفا ومفكرا عربيا، في مقدمتهم كلوفيس مقصود ومحمد عابد الجابري وبرهان غليون وخالدة سعيد وهشام جعيط··· وهم يقومون بصياغة التقرير استنادا إلى مادة خام تشمل دارسات تحليلية ومجموعة من التقارير حول كل بلد عربي على حدة·
وقد صدر تقرير التنمية البشرية العربية لأول مرة في يوليو ،2002 تحت عنوان خلق الفرص للأجيال القادمة، وتناول حينئذ أوضاع التعليم والصحة والمرأة والسكان والديمقراطية وحقوق الإنسان والاستثمارات والتكنولوجيا والصناعة والبيئة والفقر والطفولة···
وكما واجه التقرير خلال السنتين الماضيتين العديد من العقبات والصعاب أثناء إعداده، فقد أثار نصه النهائي في كلتا المرتين ردود فعل ومواقف متفاوتة·
ولأسباب تتعلق بطبيعة النقد العام الذي ينطوي عليه التقرير، فقد وصفه البعض كحالة حادة من جلد الذات، وأكد البعض الآخر على سياقه الزمني في ظرف تتصاعد فيه الهجمة ضد كل ما هو عربي وإسلامي· بل ذهب بعض آخر إلى القول إن إظهار التجربة العربية المعاصرة في بناء الدولة الوطنية كتجربة فاشلة وغير موفقة، يد