عند كتابة هذا المقال تكون المحادثات الجارية بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان في ضاحية نيفاشا بجمهورية كينيا قد تخطت إحدى عقباتها المهمة بالاتفاق في قضية اقتسام الثروة بين الشمال والجنوب· وما كان لهذا التوقع أن يكون لو لم يكن يوم الأربعاء الموافق 22 أكتوبر الحالي هو اليوم المحدد لاجتماع السيد كولن باول وزير الخارجية الأميركي بالسيدين نائب رئيس جمهورية السودان وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية في مقر التفاوض بهدف حثهما على التعجيل بإنهاء الاتفاق· ولم يكن ممكناً أن تتلازم زيارة الوزير الأميركي لكينيا، والتي أعلن عن موعدها قبل أكثر من 10 أيام، مع التوقيع النهائي نسبة لأنه ما زالت هناك قضايا شائكة أخرى لم يصل فيها الطرفان إلى اتفاق· ولهذا فقد رؤي التعجيل بالوصول إلى اتفاق حول اقتسام الثروة حتى يتوافق ذلك مع وصول السيد باول·
ويتضح من زيارة الوزير الأميركي إضافة إلى وصول عدد آخر من كبار المسؤولين في دول (أصدقاء الإيقاد) إلى كينيا مقر المفاوضات أن وتيرة الضغط على الطرفين المتفاوضين قد ارتفعت بصورة ملحوظة· ولم يعد خافياً أن إدارة الرئيس بوش ترغب بصورة ملحة في تحقيق السلام والاتفاق في السودان حتى يحسب لها ذلك الانجاز في مواجهة سمات الفشل والخيبة التي لحقت بهذه الإدارة نتيجة سياساتها في العراق· إن تحقيق السلام في السودان برعاية الولايات المتحدة سيكون مردوده إيجابياً لرئيس أميركي يسعى جاهداً إلى تحسين صورته في العلاقات الدولية، لا سيما وهو يستعد لمعركة إعادة انتخابه في العام المقبل·
أما على صعيد المفاوضات الجارية في كينيا والتي استؤنفت قبل أسبوع بقيادة علي عثمان محمد طه وجون قرنق فإن أمامهما، بعد موضوع اقتسام الثروة، عقبات أخرى لابد من تذليلها وعلى رأس تلك العقبات:
1- الوصول إلى اتفاق حول الوضع المقبل في إقليم جبال النوبة وفي إقليم جنوب النيل الأزرق ومصير منطقة صغيرة تدعى ابيي يرى الجنوبيون أنها جزء من الجنوب ولا توافق الحكومة على ذلك·
2- الوصول إلى اتفاق كذلك حول اقتسام السلطة وفي مقدمة ذلك أن تكون رئاسة الدولة دورية بين الرئيس الشمالي الحالي ورئيس جنوبي (الدكتور جون قرنق) حسبما تطالب الحركة الجنوبية أم يكتفى بأن يصبح قرنق نائباً أول للرئيس بسلطات محددة وواضحة تصل إلى مستوى أن يحل محل الرئيس في غيابه، والحكومة أقرب إلى هذا الحل· واقتسام السلطة يشتمل على تفاصيل أخرى متعددة يحتاج بحثها والوصول فيها إلى اتفاق بعض الوقت·
وفي غضون هذا وفي ارتباط به فإن حواراً يدور بين قيادات الأحزاب السياسية السودانية المعارضة والمتحالفة مع الحكومة حول شكل الحكم خلال الفترة الانتقالية التي ستبدأ فور التوقيع النهائي على اتفاق· وواضح مما يعكسه ذلك الحوار أن (الانقاذ) ما زالت تفضل أن يكون الحكم المقبل مناصفة بينها وبين الحركة الشعبية، في حين أن أغلبية الآخرين تطالب بمشاركة فاعلة وغير رمزية في أجهزة الحكم في الفترة القادمة، وتلك قضية أخرى يأمل الخيرون أن يتم الاتفاق حولها بين القيادات السودانية وحدها دون حاجة لتدخل من قوى أجنبية أو حتى إقليمية· قصارى القول إن التحول المنتظر في السودان والذي بدأت بشائره لن يصبح واقعاً ملموساً قبل انقضاء هذا العام·