حين تحدث رئيس وزراء ماليزيا قبل أسبوع في مؤتمر القمة الإسلامي واتهم الغرب بالعنصرية ضد العرب والمسلمين، وأن الصهيونية العالمية تستخدم نفوذها السياسي المتنامي في عواصم القرار الغربي لتفرض سلطانها على بقية دول العالم، خاصة العالم الإسلامي، فإن ذلك لم يفارق الحقيقة، بل كان الحقيقة بعينها·
فالعنصرية والكراهية التي تبثها أجهزة الإعلام الغربية ضد كل عربي ومسلم قد أصبحت اليوم مضرب الأمثال· وها هو نائب وزير الدفاع الأميركي لشؤون المخابرات الجنرال (ويليام بويكن)، يهاجم الدين الإسلامي ويتهم المسلمين بعبادة الأوثان، ويتعرض للدين الإسلامي بأبشع الشتائم، بينما لا يدين أقواله وزير الدفاع، ولا الرئيس الأميركي بوش·
ولو كانت هذه الشتائم تكال من قبل شخصية مسؤولة ضد أحد أتباع الديانات الأخرى في أي بلد متحضر لطلب منه تقديم استقالته خلال أيام معدودة· ولكن وللأسف فإن المسلمين الذين يشكلون في الولايات المتحدة قرابة الثمانية ملايين نسمة، والذين ساهموا بشكل مباشر في وصول الرئيس بوش إلى سدة الرئاسة قبل ثلاث سنوات بأصواتهم، يكاد ينظر إليهم بنظرة الريبة، ويعامل بعض منهم معاملة أقل ما يمكن أن تسمى بأنها معاملة مواطنين من الدرجة الثانية ·
وكيف لنا أن نتوقع أن يعتذر الرجل الثاني في جيش دولة تحتل بلداً عربياً مسلماً عن أقوال أقل ما يقال عنها إنها أقوال عنصرية بغيضة· ويجب أن ننظر وبحق إلى هؤلاء العنصريين على أنهم بخطبهم المشوهة لعلاقات الأديان ببعضها بعضا، ينسجون دثاراً أيديولوجيا يساعد في تلبيس الحقائق على الشعب الأميركي، الذي كان ولا زال ينتصر للمظلوم· ولكنه اليوم يقاد بشكل أعمى إلى حروب إقليمية لا نهاية لها ·
لقد صدق جنربرج كاشف ملفات ووترجيت الشهيرة، حين قارن الحرب الأميركية على العراق بحرب فيتنام، فكلاهما قامت على دعم أعمى من الكونجرس لرؤساء متحفزين للحرب وقيام إمبراطورية شاشعة، سواءً في شرق آسيا، أو في الشرق العربي·
والعجيب في موضوع اتهامات الجنرال بويكن، هو أن من انتقده كان من بين المرشحين الديمقراطيين جوزيف ليبرمان وجون كيري وكلاهما من الليبراليين اليهود الذين يتزعمون الحملة الديمقراطية لمنافسة جورج بوش في الانتخابات القادمة· رب قائل إن حملات الكراهية الدينية والعنصرية التي يدعو إليها بعض الإعلاميين المشهورين في الولايات المتحدة، مثل بات روبرتسون وغيره، لا تعدو أن تكون حملات كراهية، تنم عن حقد دفين لدى هؤلاء الناس ضد الإسلام والمسلمين ولا تعدو أن تكون جعجعة فارغة·
ولكن الحقيقة أن مثل هذه الحملات الإعلامية تمثل نوعاً من العنصرية التي فاقت حملات جماعات (الكلان) من البيض ضد السود في الولايات المتحدة· وكما نجحت تلك الكراهية في حرمان غالبية السود من حقوقهم المدنية في الولايات المتحدة لفترة طويلة من الزمن، فإن حملات الكراهية الحالية ضد العرب والمسلمين تجعل من استباحة حقوق المسلمين كأفراد ومن استباحة أوطانهم، كذلك أمراً مقبولاً لدى قطاعات واسعة من الرأي العام في الغرب، وفي بلدان متعددة أخرى غير غربية، ولكنها مؤثرة في صراع المصالح الدولي· والمشكلة في هذه الحملات العدائية هو أن الإسلام لن يضيره قيام هؤلاء المسعورين بحملاتهم واتهاماتهم، ولكن المسلمين يدفعون، وللأسف، ثمن ذلك· فالطالب العربي أو المسلم سيجد أن قبوله في بعض الجامعات سيصبح صعباً، كما أن أستاذه قد يعامله بأسلوب منحاز، إذا ما هو أدرك خلفيته العرقية والدينية· كما أن القوانين التي تسن ضد المسلمين قد أصبحت تفوح بالكراهية، بحيث يمكنها في الأمد القريب أن تجعل من السهل خلع الجنسية المكتسبة عن العرب والمسلمين الذين يعيشون في بعض البلاد الغربية إلى مواطنين قد تجنسوا بجنسيات تلك البلاد لأمد بعيد·
أما المصالح السياسية العربية فحدّث عنها ولا حرج، فقد نجحت الهيمنة الإسرائيلية على وسائل الإعلام الغربية في تصوير العرب وكأنهم هم الظالمون، بينما الحقيقة أنهم ضحايا يدفعون بدماء أبنائهم وذراريهم فاتورة الطموحات السياسية لزعماء لا يمكن أن يحكموا تلك البلدان لولا لجوؤهم إلى العنف واحتلال أوطان الآخرين·
لذلك لم يكن مستغرباً أن ترتفع عقيرة مهاتير محمد ليقول الحقيقة المرة الحاضرة في وجه المستعمرين الجدد، الذين يحتاجون إلى أيديولوجية جديدة معادية للإسلام وللعرب لبناء إمبراطورياتهم· ولقد قال مهاتير محمد كلمة الحق بعد أن سكت عن ذلك العديد من الزعماء المسلمين الآخرين· مهاتير محمد يمثل ضمير ماليزيا وضمير المسلمين، فالشعب الماليزي الذي عرفته عن كثب متحمس جداً للدفاع عن القضايا الإسلامية، ويؤمن بشكل عميق بضرورة إعادة إحياء الأمة الإسلامية على أسس ديمقراطية، وبناءً على تشكيل اقتصادي وحضاري جديد· وعلينا أن نضع أيدينا في أيدي بقية الدول الإسلامية، فهم حلفاؤنا الحقيقيون· ويجب ألا نقابل الكراهية بالكراهية، فدين الإسلام هو دين السلام· ومن ثم فإن أصدقاءنا الحقيقيين الآخرين هم جنزبرج وغيره من الرجال الذين يؤمنون بحقوق الإنس