توحي معظم مشتقات كلمة صعد بالرقي والتقدم والسير إلى الأعلى أو إلى الأمام· فصعود الجبل يعني طلوعه وتسلقه، والمصعد يأخذك في بناية ما إلى طوابق أعلى في البناية، والصعود إلى الأعلى ليس بالهين دوما ففيه مشقة وشدة، فالعذاب الصعد هو العذاب الشديد·
والصعود حالة من حالات التجلي والرقي الروحاني في الفلسفة الصوفية، كما أن الصعود حالة من حالات النشوة في لغة أهل الراح والكيف والدخان الأزرق·
كما يرتبط الصعود بالموت، فيقال صعدت روحه إلى خالقها·
والصعيد يعني الأرض المنبسطة أيضا، ولهذا جاءت تسمية صعيد مصر بمعنى وجه الأرض، وجاء في قوله تعالى: فتصبح صعيدا زلقا·
ومن معاني الصعود أيضا النزول والانحدار، فيقال أصعد في الوادي أو صعد (بتشديد العين) فيه تصعيدا، أي هبط· فالصعود بالفتح تعني ضد الهبوط كما ورد في مختار الصحاح، ولا أدري كيف يمكن لكلمة واحدة أن تعني معنيين متناقضين تماما، فهي تعني الحركة إلى الأعلى، والحركة إلى الأسفل في الوقت نفسه، تماما مثلما أوضحت في مقالة سابقة أن التراجع والتقدم معناهما واحد·
والصعاد لدى البدو يعني إسقاط الدابة لحملها قبل اكتمال نموه، فالشاة أصعدت أي ألقت بجنينها قبل موعد الوضع، ويدعو البدو على من لا خير فيه، فيقولون: ليتها أصعدت، أي ليت أمه أسقطته قبل أن تلده بموعده·
وتكاثرت كلمة تصعيد في أدبياتنا السياسية لتعكس شدة المسألة وتعقيداتها فتصعيد الموقف يعني تعقيده ودفعه للمواجهة، والتصعيد سيد الموقف حين يغيب العقل، وحين تغلق أبواب الحكمة والدبلوماسية، ولم أجد لكلمة تصعيد تاريخاً طويلاً في لغتنا العربية، فلعلها إحدى الكلمات التي تسللت إلى لغة السياسة العربية الحديثة، التي تجيد التصعيد الكلامي والحروب البلاغية كحالة من حالات العجز وكمتنفس للإحباط، ولكن مصدر كلمة تصعيد لا جدال بأنه كلمة صعد·
واللغة الدارجة في إعلامنا العربي وبالذات في فضائياتنا تجاه تطورات الساحة العراقية هي لغة التصعيد، وهذه اللغة تعكس رغبة كامنة وواضحة للعيان بأن العرب جميعا- ربما باستثناء العراقيين والكويتيين- ينشدون التصعيد في العراق وتأزيم الموقف، وهذه اللغة التصعيدية ظاهرة في تناول نشرات الأخبار للعمليات التخريبية التي تجري في العراق -ليس ضد قوات الحلفاء فحسب- بل حتى ضد العراقيين أنفسهم وضد كل جهود البناء لإعادة إعماره وبناه التحتية، وهم بهذا التصعيد ينشدون الصعاد للعراق الجديد قبل ولادته، أي أنهم بلغة التصعيد يهدفون إلى إسقاط كافة الجهود التي يقوم بها العراقيون بمساندة الحلفاء وبمساعدات دولية من أجل ولادة العراق الجديد وهي مساعدات غير مسبوقة بحجمها وعدد المساهمين فيها منذ خطة مارشال لبناء أوروبا بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها·
الإعلام العربي-في غالبه- يمتهن التصعيد، ويحلم بالصعاد على أرض الرافدين، وهم بذلك لا يملكون بديلا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور هناك لو أن الحلفاء شدوا رحالهم وتركوا العراق من غير رجعة، تماما مثلما كانوا يتفرجون على العراق إبان المرحلة الصدامية البائدة التي كان العراق فيها أسيرا يعيش خارج التاريخ·
الصعاديون -نسبة إلى من يتمنى الصعاد في بلاد السواد- يمتهنون التصعيد من غرف تحرير الأخبار، ويحلمون باليوم الذي يسقط فيه الجنين العراقي الجديد قبل ولادته، وهم بذلك يتمنون خراب العراق، ويعبرون عن إسقاطاتهم وسقطاتهم وعجزهم·