بلطف بالغ لم نشهده سابقاً، نرى نسائم التغيير-ولا يسعنا حتى الآن أن نطلق عليها اسم رياح التغيير - وهي تهب على أجزاء من العالم الإسلامي ما زالت حتى الآن ترزح تحت وطأة القمع:
المملكة العربية السعودية أعلنت في الأسبوع الماضي عن عزمها على إجراء انتخابات للمجالس البلدية في غضون سنة من الآن- وهي أول مرة تُظْهر فيها السعودية ميلاً (إلى/أو) اهتماماً بالانتخابات الحقيقية·
أما في المغرب، فقد رسم الملك محمد السادس إطار التغييرات الكاسحة في قوانين تعدد الزوجات والزواج والطلاق، إذ أعلن قائلا: كيف يمكن لمجتمع أن يحرز تقدماً في حين أن النساء، اللواتي يشكّلن نصف الأمة، يرين حقوقهن منتهكة، ويعانين كنتيجة للظلم والعنف والتهميش؟! ·
في إيران، أتى منح جائزة نوبل للسلام إلى المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان شيرين عبادي ليجعلها أول امرأة مسلمة تفوز بهذه الجائزة، وليعطي دفعاً وتشجيعاً لحركة الإصلاح التي تتعرض للهجوم· وقد خرج عشرة آلاف إيراني وإيرانية إلى مطار طهران للترحيب بعبادي وبعودتها إلى وطنها·
أما المفكرون العرب فأصدروا، بالتعاون مع هيئة الأمم الأمم المتحدة، تقريراً يوم الاثنين الماضي دعوا فيه إلى الإصلاحات التي من شأنها أن تقدم دفعاً لقضية حقوق المرأة في البلاد العربية وتجعل الحكومات العربية عرضة لقدر أكبر من المساءلة والمحاسبة·
وقد انتهت أفغانستان عملياً من صياغة الدستور الذي سيؤكد على الالتزام بالدين الإسلامي، لكنه سينهض بأعباء الانتخابات الوطنية التي ستجرى في عام ،2004 وسيقوم بتشكيل برلمان مؤلف من مجلسين من شأنه أن يضمن تمتع المرأة بدور مهم؛ كما يضمن الدستور الجديد حماية حقوق الإنسان· وفي العراق حركة نحو عملية أسرع لمنح الصلاحيات إلى مجلس الحكم العراقي؛ ومن المقرر أن يعقب ذلك وضع دستور جديد وإجراء انتخابات وطنية، ربما في عام ·2004
في إمكاننا أن نتشجع، لكن ينبغي ألاّ تأخذ منا النشوة كل مأخذ: فهل تأتي تجربة السعودية، على سبيل المثال، وخوضها تجربة الانتخابات البلدية كشيء حقيقي جدّي، أم أن ذلك ليس سوى استعراض وتمثيل أمام العالم الخارجي؟
وفي إيران، ربما أن الآلاف خرجوا ليهتفوا ابتهاجاً وفرحاً بمساعي مواطنتهم، الفائزة بجائزة نوبل، في ميدان حقوق الإنسان، غير أن ذلك لا يعني أن الملالي المحافظين المتجهمين قد رأوا الضوء·
أما سعي أفغانستان إلى الاستقرار والديمقراطية فمن الممكن أن ينحرف عن مساره، إذ لا بد من أن يحظى الدستور بالإقرار والموافقة في شهر ديسمبر في جمعية وطنية مؤلفة من عناصر متنوعة· وقد يضغط المحافظون المتشددون من أجل الحصول على نفوذ أكثر إسلامية وأقل ديمقراطية·
صحيح أن حقبة ما بعد طالبان قد شهدت تحسناً في ميدان حقوق المرأة، غير أن التقارير الصادرة مؤخراً عن منظمة العفو الدولية ترسم صورة كئيبة مظلمة، ذلك أن المجتمع الذي يهيمن فيه الذكور قد يمانع ويعارض منح النساء مكانة مساوية لمكانة الرجال· ويضاف إلى ذلك أن أمراء الحرب يمانعون ويعارضون التنازل عن قوتهم ونفوذهم ويكرهون اعتناق الأفكار الديمقراطية التي قد تعمل على تآكل تلك القوة·
أما فيما يتعلق بالعراق، فإن في الآمال والتوقعات مغريات كثيرة، غير أن التحديات هائلة: إذ أن صدام حسين مازال حتى الآن طليقاً، إضافة إلى أن الموالين له من المسلحين ومنفذي عمليات التفجير الانتحارية المستميتين في المقاومة يقومون، بالتعاون والتنسيق مع الآخرين الساعين إلى تقويض الوجود الأميركي، بإلحاق أضرار شديدة بالقوات الأميركية والمواطنين العراقيين وبعمال الهيئات والمنظمات الأجنبية والدبلوماسيين الأجانب؛ والهدف من ذلك التخريب المتعمد لعملية إعادة الإعمار وبناء المؤسسات الديمقراطية التي من شأنها أن تجعل العراق نموذجاً واضحاً أمام البلدان العربية المجاورة التي انجرفت واهنة فاترة الهمة في تيار التخلف القمعي·
ويقول المراقبون المتشائمون الذين يرصدون المشهد العراقي إن الوقت ينفد وإن العداء العراقي للأميركيين آخذ في التعاظم، وهو عداء تغذيه خيبة الأمل التي تولّدت عن انعدام الأمن والبطالة· أما المتنافسون الأميركيون المتسابقون إلى منصب الرئاسة فإنهم، في سياق مطاردتهم لـ جورج بوش وبتشجيع من نجاح موقف السيناتور هاورد دين المناهض للحرب، يوجهون انتقادات قوية لما يرون أنه فوضى ما بعد الحرب·
أما المتفائلون فيقولون إن الأمور آخذة في التحسن، ويستشهدون على ذلك باستطلاعات الرأي التي توحي بأن العراقيين يعتقدون أن المستقبل سيحمل لهم أياماً أفضل من هذه· تقول صحيفة ذي إيكونوميست : إن غمامة الكآبة والعتمة ليست متجانسة مثلما تبدو للناظر من بعيد· إن احتلال أميركا للعراق يتواصل على نحو فوضوي، غير أن هناك تقدماً يجري إحرازه··· وبخطى بعضها أخرق متعثر، يتلمس هذا البلد (العراق) طريقه نحو الديمقراطية ·
إنها غيوم العاصفة التي تلقي حقاً بظلها الثقيل على هذا التحرك الضعيف غير الواضح نحو الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط الإسلامية، وه