عقد بالدوحة أخيراً الاجتماع الرابع عشر لوزراء الإعلام بدول مجلس التعاون· ولم يرشح عن الاجتماع- الذي يكتسب عادة أهمية وإثارة كبيرة- سوى بيان مقتضب لم يزد على عمود صحفي من 38 سطراً؟ احتوى عبارات فضفاضة واستعراضات لأعمال اللجان الإعلامية الأخرى·
ولوحظ في حضور هذا الاجتماع وجود الخارجية القطرية حيث ترأس الاجتماع مساعد وزير الخارجية لشؤون المتابعة لجنة الوكلاء، بينما ترأس وزير الدولة للشؤون الخارجية لجنة الوزراء!!
ولقد لفتت نظر المراقبين كلمة الأمين العام لمجلس التعاون معالي عبدالرحمن بن حمد العطية، التي خالفت مضامين الخطابات العادية التي درج عليها الأمناء العامون في المجلس، حيث أكد على استقلالية الإعلام وانفتاحه الكوني وتضييق الفجوة بين وسائل الإعلام المحلية والمواطنين بهدف تعزيز الثقة والمصداقية، وإتاحة أكبر هامش من الحرية والتعبير أمام هذا الإعلام بما يتماشى مع النهج المبارك الذي يتبناه قادة دولنا ·
الجديد في هذا الكلام أنه يأتي من الأمانة العامة التي درجت على أن تكون ردة فعل الدول، ويحاول موظفوها السير بين الأشواك في الصياغات المتعددة للقرارات والبيانات· فنحن ندرك أن الفجوة كبيرة بين الإعلام التنموي الذي تملكه الدولة ويحاول دوماً التذكير بنعمائها وكرمها على المواطنين بحيث أضحى هذا الإعلام كهنوتاً فوقياً ليس للمواطن فيه رأي أو نظر، وسار عبر أكثر من 30 عاماً ينطلق رأسياً من الحكومة إلى الشعب، وحيث إن الأفكار التي تناولها الوكلاء والوزراء في هذا الاجتماع كانت قد أحيلت -في مجملها- من الهيئة الاستشارية- والتي حازت على موافقة القادة في اجتماعهم الثالث والعشرين بالدوحة العام الماضي، فإن الأمين العام حاول التذكير بهذه الحقيقة وأراد حسم الموضوع بوجود مباركة وموافقة من القادة على النهج الجديد الذي يجب أن تتبناه الدول في خطابها الإعلامي·
وللحقيقة، فإن إعلام دول المجلس يتفاوت اقتراباً وبُعداً من الحرية والشفافية وتمثيل المواطنين، ويتفاوت في تفسير مضامين حرية التعبير، والصياغات المتكررة لـ الحرية المسؤولة ، إذ ما تراه دولة حرية مسؤولة تراه الأخرى حرية غير مسؤولة، وبذلك يحدث ذاك التفاوت·
ونقطة أخرى ذكرها العطية في كلمته وتتعلق بغياب الإعلام الخليجي عن المتغيرات الدولية، وتقف وسائل الإعلام هذه موقف المتلقي دون أن تكون متفاعلة ومؤثرة في هذه المتغيرات· وهذه نقطة تحتاج إلى تفسير طويل، إذ ليس من الممكن- بعد 30 عاماً من قولبة المتلقين على نمط إعلامي معين- تكون الدولة دوماً هي الحق وهي الحَكَم ، ثم نأتي للمطالبة بالمشاركة العالمية، خصوصاً في ظل وجود نظام بيروقراطي برر هذا التوجه و زيّنه لأصحاب القرار· في ذات الوقت تحتاج المشاركة التي دعا إليها الأمين العام إلى وجود صناعات إعلامية وميزانيات تتجاوز الهدف الدعائي الذي حدده بعض محدودي الرؤية للإعلام الخليجي منذ ثلاثة عقود·
وكيل وزارة الإعلام في دولة الكويت الشيخ فيصل المالك الصباح كان واضحاً في نقد قناة الجزيرة غداة عقد اجتماع الوزراء·· ووصفها بأنها تتجاهل شعور العراقيين تجاه الكويت ·· مشيراً إلى أنهم الكويتيون غير مستعدين للتعاون مع أي قناة فضائية تسيء إلى الكويت · وهذا الحديث يُفسر الموقف الكويتي في اجتماع الوزراء، وأن الخلاف في التوجه والتفسير سمتان بارزتان في مثل هذه الاجتماعات· وهذا ما أشار إليه الشيخ الصباح عندما ألمح في لقاء صحافي إلى أن البعض يرى أن رأيه هو الصحيح وآراء الآخرين خطأ، والمؤسف أن البعض يصل بالنقد إلى التجريح والبعد عن الحقيقة · في ذات الوقت، يصر الوكيل على أهمية إعادة ترتيب الإعلام الخليجي وبأيد وطنية خليجية، مشيراً إلى وجود كفاءات متمكنة في هذه الدول· نحن نعتقد أن حديث (العطية) الثوري إذا ما قيس بالخطابات المرتعشة للأمانة العامة في السابق يمثل نهجاً حميداً يؤازر مساعي الدول- بعض الدول الخليجية- التي اتخذت من الانفتاح الإعلامي نهجاً جديداً، ومن الشفافية الإعلامية مدرسة للتعامل بين الدولة والمواطن· ولكن هل يمكن لأي دولة خليجية أن تُطبقه بمصداقية ودون التفات؟ خصوصاً وأنه - كما قال العطية- وافق عليه قادة الدول؟
هذا يضعنا ويضع إعلامنا ومنفذي سياساته على محك خطير تجب مواجهته، إذ أن الواقع يخالف جداً ما يتطلع إليه قادة الدول حسبما ورد على لسان العطية إشارة وليس تأكيداً مباشراً·
أما حديث وكيل وزارة الإعلام الكويتي، على رغم وضوحه وجرأته، جرياً على العادة الكويتية التي مارست حق التعبير والديمقراطية وسبقت بها دول المنطقة، فإنه في ذات الوقت يحمل مرارة واضحة على نهج بعض الفضائيات في المنطقة، وعدم قدرة الإعلام الخليجي الرسمي على كبح جماح هذه الفضائيات التي تراها الكويت تحمل مضامين الإساءة إليها، لكن الواقع الأشمل أن التوجهات الإعلامية والخلافات حولها إنما تنبع من الخلافات السياسية ودور الاستقطابات ومحاولة لعب الأدوار على الساحة الخليجية، ورفض استنساخ ستة نماذج إعلامية لهذا الإعلا