منذ القرن الماضي ونحن ندرك تماماً مدى القلق الذي يعيشه الغرب من شيء يسمى الإسلام ، وتُوج هذا القلق بأحداث سبتمبر التي صنعها نفر من الذين أفرزتهم تلك المناحي التي كانت من تداعيات ذلك القلق القديم المتجدد دائماً·
ولعل ما حدث كان مدعاة لفهم الإسلام ربما ولتشويه الإسلام في مفاهيم عدة· لذلك كان من المستهجن أن يبادر جاك شيراك بالدعوة إلى التعامل مع الإسلام كفكر حضاري وكمرجعية ذات أصول متحضرة ليست بالضرورة خاضعة لمنطق العنف كما تزعم بعض الدول الغربية·
هذه اللغة المتداولة لدى المسؤولين الفرنسيين تدفع بنا إلى التأكد من أن الفرنسيين أدركوا مفاتيح المسلمين الذين طالما اضطهدتهم الثقافة الغربية واعتبرتهم فئة قادمة من خارج التاريخ، بدليل أن تلك الروايات الحياتية التي تسرد معاناة المهاجرين العرب في فرنسا والذين عانوا التغريب في أوطانهم والعذاب في الدولة المستعمرة التي فرنست لغتهم وهويتهم الثقافية، فلجأوا إليها هرباً من فقر قوميتهم ولغتهم وحياتهم الاجتماعية ليعانوا من فقر أشد وصل بهم إلى تحطيم الفكر الحضاري عن فرنسا كدولة مثقفة تدرك قيمة الإنسان بذاته دون النظر إلى جنسه أو جنسيته·
وليس صحيحاً أننا ضحية فكرة المؤامرة، لأن المؤامرة كانت واقعة قبل بدايات القرن العشرين حين حاولت أوروبا احتواء العرب حضارياً بالاحتلال أولاً ثم بتصدير الفكر الأوروبي لينسلخ العرب من هويتهم القومية والدينية·
فالإغراء الحضاري الذي مارسه المستعمر، لم يكن بالأمر الذي يمكن تجاوزه بسهولة تامة، لأنه ترك تبعات وعقبات أنتجت فكراً متحرراً من الالتزام العقدي وفكراً أصولياً كان يعتبر عودته للجذور نوعاً من الاحتجاج والرفض للسياسة التي يمارسها الغرب ضد دينه وحضارته برمتها·
ويبدو أن فرنسا ذاتها أدركت بعد وحش العولمة الكاسر أنها مهددة هي الأخرى بزلزال ثقافي تأتي رياحه من الولايات المتحدة، فكان رفضها لمثل هذه التيارات العاتية وتمسكها بتلابيب ثقافتها جعلها تدرك أن لغة الحوار الثقافي يجب أن تكون هي السائدة حتى وإن كانت مع المسلمين الذين كانوا أهدافاً واضحة لمحو هويتهم وجذبهم لوهج الثقافة الفرنسية·
ففرنسا تخشى أن تفقد هي ثوابتها بعد هذه التغيرات الكونية الهائلة الحاصلة في كافة أرجاء الأرض والتي تعني أن الحرب التي تقتلع الحياة أنى حلت تعني أن خوفاً ما لابد وأن يطل برأسه، حين تكون الهوية محط أسئلة وتقع تحت رحمة أساطين التعولم والثقافة الواحدة· والتي نخشى أن تكون قد احتلت حتى نقاء المحيط المتجمد دون أن ندرك ذلك تمام الإدراك·
والمهم في كل هذا أن يستوعب العرب دعوة الرئيس الفرنسي المهمة والتي تعني أن أبواباً من التبادل الثقافي بدأت تفتح على مصراعيها بعد أن كان الحوار من جانب واحد وفي اتجاه أحادي صرف لا يُعنى بردود فعل الطرف المستقبل·
فالحوار يعني أن يذهب الآخر نحوك بفهم لما تقول وهذا كان ما ينقص تلك اللغة الناقصة·
لكن هل نستدرك أخطاءهم ونذهب لحوار سنبقى نحن الأوفر حظاً في إدارته لثراء اللغة التي نتداولها ولحقائق الأمور التي استوعبها الغرب أخيراً والتي تعني أننا لسنا معنيين بممارسات جماعات أفرزها التعنت الغربي وإفراطه في السلوك المتوحد مع الذات دون تفهم مصالح الآخر·
ربما كان لدى فرنسا المفتاح··· وها هو يقدم لنا شريطة أن نكون من ضمن الذين فهموا أبعاد هذا التغير الإيجابي ومتطلباته الواسعة الملحة·