منذ زمن طويل وعيون الغرب الزرقاء على نفط الشرق الأسمر، والأميركيون ليسوا أول من طمع في هذا النفط وتلطخت يداه به ويبدو أنهم لن يكونوا آخر الطامعين·· فمنذ الحرب العالمية الأولى (1914) يسعى الغرب إلى السيطرة على أكبر مستودع للنفط في العالم وتجلى ذلك من خلال محاولة ألمانيا ربط العراق، ومنطقة الخليج بخط قطار الشرق السريع ، في محاولة لتمهيد الطريق لامتلاك نفط الشرق، لكن جهودها لم تتحقق بعد أن خسرت الحرب العالمية الأولى، وتقدمت الجيوش البريطانية إلى المنطقة،واستمرت جهود ألمانيا للوصول إلى منابع النفط، دون توقف،وكانت محاولتها الأخيرة في الحرب العالمية الثانية ولكنها فشلت أيضا على يد البريطانيين·
الصراع على العراق وثروته النفطية لم ينتهِ بنهاية الحرب العالمية الثانية، فقد بدأ بعد الحرب صراع جديد بين بريطانيا، والولايات المتحدة التي تتطلع إلى الهيمنة على منطقة الخليج، واقتسام الثروات النفطية مع بريطانيا، في بادئ الأمر، ومن ثم للاستحواذ على حصة الأسد فيما بعد ·
من المهم أن نفهم بداية الصراع الإنجليزي الأميركي على نفط الخليج حتى نفهم ما يحدث اليوم في العراق فهذا الصراع بدأ منذُ عام،1920 عندما طالبت الولايات المتحدة بريطانيا، في مؤتمر سان ريمو بضرورة مشاركتها في نفط الخليج، لكن بريطانيا رفضت ذلك رفضاً قاطعاً في ذلك الوقت، مما حدا بالرئيس الأميركي ودرو ولسن إلى إرسال رسالة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها : إنكم تريدون ممارسة نوع من الاستعمار،أصبح موضة قديمة ·
استمرت الضغوط في عهد الرئيس روزفلت على رئيس الوزراء البريطاني ونستن تشرشل من أجل حصول الولايات المتحدة على نصيب أكبر في نفط الخليج،وكان تشرشل يقاوم الضغط الأميركي، إلا أنه كان عاجزاً عن إيقاف ذلك الضغط، بسبب ضعف موقف بريطانيا، فقد كتب تشرشل مذكرة إلى اللورد بيفر بروك العضو في وزارة الحرب البريطانية يقول فيها رداً على مذكرته حول محاولات الولايات المتحدة: إنني أفهمك جيداً ولكني أخشى أن عالم ما بعد الحرب قد ينهار إذا دخلناه ونحن في معركة مع الولايات المتحدة حول البترول ·
ثم كانت الزيارة التاريخية لأهم وفد أميركي يزور المنطقة (ربما في التاريخ العربي الأميركي الحديث) عندما بعث الرئيس روزفلت لجنة رئاسية إلى الشرق الأوسط، زارت كلاً من الجزيرة العربية، والعراق، وإيران، وعند عودتها قدمت تقريرها إلى الرئيس روزفلت والذي بدأ بالعبارة التالية : إن بترول الشرق الأوسط هو أعظم كنز تركته الطبيعة للتاريخ، وإن التأثير الاقتصادي، والسياسي لهذا الكنز سوف يكون فادحاً · وعندما سأل وزير الخارجية جيمس بيرنز الرئيس روزفلت ما هي الحصة التي ينبغي أن نسيطر عليها من بترول الشرق الأوسط ؟ سكت الرئيس روزفلت برهة ثم أجابه قائلاً: ليس أقل من 100 في المئة ···· وكتب أحدهم إلى روزفلت يقول: إن الشرق الأوسط مجرة كونية هائلة من حقول البترول، لا يعرف أحد نظيراً لها في الدنيا··· ·
بعد ذلك بفترة قصيرة قال رئيس أكبر شركة نفط أميركية سكسوني فاكوم عام 1945 كلمة في غاية الأهمية فقد قال بالحرف الواحد: إن إدارة شؤون البترول تختلف عن إدارة شؤون أية سلعة أخرى، ذلك أن شؤون البترول في 90 في المئة منها سياسية، و10 في المئة منها فقط بترول · ثم زاد قائلاً: إذا كان محتماً على الولايات المتحدة أن تدير شؤون البترول في العالم، فإن عليها أن تدرك طوال الوقت أنها مطالبة بأن تفعل ذلك حتى خارج حدود سياستها الإقليمية، وخارج قيود القانون الدولي إذا دعا الأمر إلى ذلك ··· وهذه الأحداث والمواقف ذكرها عصام الجلبي وزير النفط العراقي الأسبق في محاضرة في مركز زايد للتنسيق والمتابعة·
لا أعتقد أنني بحاجة إلى أن اذكر بـ مبدأ كارتر الرئيس الأميركي الأسبق الذي يعرفه الجميع عندما أعلن أمام الكونجرس عام1980: إن أية محاولة من جانب أية قوى للحصول على مركز سيطرة في منطقة الخليج سوف يعتبر في نظر الولايات المتحدة كهجوم على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل، بما فيها القوة العسكرية ·
وقد قفزت قضية أمن الطاقة بقوة إلى صدارة جدول الأعمال السياسي الأميركي منذ تدهور علاقات الولايات المتحدة مع السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم بعد هجمات 11 سبتمبر··فالولايات المتحدة تستورد أكثر من نصف حاجاتها من النفط التي تبلغ 20 مليون برميل يوميا وتتوقع وزارة الطاقة أن تزود منطقة الخليج - التي تستحوذ على ثلثي احتياطيات العالم النفطية وكل الطاقة النفطية الفائضة في العالم - الولايات المتحدة بربع وارداتها النفطية أي ما يعادل خمسة ملايين برميل يومياً·
فضلاً عن المخزون النفطي الهائل في المنطقة بالتأكيد أن دول العالم تدرك الدور المهم الذي يلعبه نفط الخليج في المحافظة على إمدادات النفط ونشر الثقة في السوق وبدا ذلك واضحا من خلال حرب العراق الأخيرة وقبل ذلك خلال أحداث 11 سبتمبر من خلال المرونة التي تميزت بها وسيبقى نفط المنطقة أساسيا للأسواق العالمية·· بالإضافة إلى