إذا ثبت خطأ توقعات وكالة الـ سي آي إيه حول أسلحة التدمير الشامل العراقية، فكيف يمكن للأميركيين أن تكون لهم ثقة في التحذيرات الاستخباراتية التي تطلقها الـ سي آي إيه في المستقبل؟
إنه سؤال يلقي بظله على الوكالة، في حين يقوم عملاؤها بالتدقيق الشديد في الملفات وتمشيط مستودعات الذخيرة في عراق ما بعد الحرب، وذلك في محاولة للتوفيق بين التقديرات التي خرجت قبل الحرب، هذا من جهة، وما تبقى ونجا من أدلة على وجود الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية العراقية، من جهة أخرى·
أما الرئيس بوش فيواجه مشكلة سياسية بسبب أسلحة التدمير الشامل المفقودة، حيث يركّز الديمقراطيون على المسألة باعتبارها دليلاً يبرهن على تعمد الرئيس تضليل البلاد بحججه التي استخدمها لشن الحرب·
وقد أتت في الأسبوع الماضي إشارة تعبر عن درجة الحدة التي سيبلغها الجدل الدائر، وقد صدرت الإشارة عن السيناتور إدوارد م·كينيدي حيث قال: الآن يقف في خانة الكلام الخادع المضلل كل ما أوردته الإدارة من مبررات وتسويغات لدى استعدادنا لخوض الحرب···وقد قيل للشعب الأميركي إن صدام حسين يقوم بصناعة الأسلحة النووية،لكنه لم يفعل· وقيل لنا إنه يمتلك مخزونات من أنواع أخرى من أسلحة التدمير الشامل، لكن ذلك لم يحدث···لقد سردوا علينا كذبة تعقبها كذبة إثر كذبة ·
ومشكلة الـ سي آي إيه مشكلة خطيرة بالقدر ذاته، على الأقل فيما يتعلق بالأمن القومي، إذ أنها مشكلة تصل إلى حدود ما قد يجوز لنا أن نطلق عليه اسم إبستمولوجيا الاستخبارات: أي كيف لنا أن نعرف ما نظن أننا نعرفه؟
قبل الحرب، كانت الوكالة واثقة- وإلى أقصى ما يمكن للمحترفين أن يكون لديهم من الثقة- بأن صدام حسين يمتلك أسلحة للتدمير الشامل، وبأنه كان يستعد لاستخدامها· ولم يكن ذلك حكماً سياسياً أو حتى حكماً أميركياً، بل كان حكماً شاركت فيه شُعب استخبارات بريطانيا وفرنسا وأمم أخرى غيرهما· ويعود تاريخ ذلك الحكم إلى عقد التسعينيات، أي قبل فترة طويلة من مجيء جورج دبليو بوش إلى واشنطن·
وعلى رغم ذلك لم يتم العثور على أسلحة التدمير الشامل· ولعل السيناتور دايان فينشتاين ، وهي ديمقراطية من كاليفورنيا وعضوة في لجنة الاستخبارات، قد تحدثت بالنيابة عن كثير من الزملاء يوم الأحد الماضي حين قالت لمراسل شبكة سي إن إن وولف بليتزر: من بين الأمور التي تخطر في بالي، استناداً إلى قراءة ثم إعادة قراءة التقديرات الاستخباراتية القومية وكذلك المعلومات الاستخباراتية اليومية، أن الكثير من الأحكام الرئيسية التي تم إطلاقها لم يكن يتسم بالصحة ·
وتثير هذه الانتقادات السياسية حفيظة مسؤولي الاستخبارات، لكن ما يبدو أنه يزعجهم أكثر من ذلك هو احتمال أن يفقد الجمهور الأميركي ثقته في عمل الوكالة· وفي حقبة بات فيها هامش أمن الأمة ضد الهجوم الإرهابي يعتمد بشكل رئيسي على الاستخبارات، من الممكن أن تكون لفقدان الثقة عواقب مدمرة ووخيمة· ويدافع مسؤولو الاستخبارات عن أداء الوكالة بطرق متعددة، وأولها أنهم يؤكدون على أن من السابق لأوانه كثيراً التوصل إلى استنتاج مفاده أنهم كانوا مخطئين بشأن أسلحة التدمير الشامل العراقية، باعتبار أن عملية التفتيش والتحليل ليست سوى البداية؛ وقد قدم كبير مفتشي الوكالة ديفيد كي تقريراً في أول ثلاثة أشهر قضاها في عملية التحقيق والاستقصاء التي لم تكشف وجود أي من الأسلحة المحظورة؛ غير أن كي أمامه تسعة أشهر أخرى من العمل، وهو على الأرجح سيقدم أيضاً تقريرين أو أكثر·
ثانياً، يتحجج مسؤولو الاستخبارات بأن النتائج التي توصل إليها كي تدعم بالفعل الدعوى التي مفادها أن العراق كان يواصل تطوير الأسلحة المحظورة، إذ أن كي وجد دليلاً قوياً يؤكد أن النظام كان يسعى إلى شراء أو صناعة صواريخ بالستية يصل مداها إلى 600 ميل أو أكثر، أي أن مداها يتجاوز المدى الذي حددته الأمم المتحدة بـ90 ميلاً· وقد عثر كي أيضاً على دليل جديد يؤكد أن العراقيين أخفوا برامج أسلحة التدمير الشامل قبل الحرب ثم قاموا بتدمير الأدلة على نحو منظم بعد الحرب·
والمشكلة الإبستمولوجية- أي تلك المتعلقة بإثبات صحة ما ظنت الـ سي آي إيه أنها تعلمه- تعقدت بسبب الحرب نفسها، التي أدت إلى إفساد وتلويث مسرح الجريمة، إن جاز لنا التعبير؛ ويقول أحد مسؤولي الاستخبارات: إن العراق الذي كان موجوداً يوم 18 مارس قد ولى واختفى ·
وعلى رغم الإيضاحات والحجج المضادة التي قدمتها وكالة سي آي إيه ، فإنها انزعجت واغتاظت بسبب الإخفاق في العثور على دليل قاطع دامغ· وقد قام المسؤولون بإعادة استعراض وهندسة كل تصريح ورد في التقديرات الاستخباراتية ما قبل الحرب، كما قاموا بمراجعة الأدلة التي استخدموها لدعم الحجج التي تم إيرادها· ويصف أولئك المسؤولون العملية بأنها سيل متدفق من التقارير الواردة من العملاء في العراق، ومن الاتصالات التي جرى اعتراضها، إضافة إلى تحليل المواد التي استرجعتها عمليات التفتيش التي قامت بها الأمم المتحدة، وكذلك المعلومات الأخرى التي جر