الانتخابات ليست بالعملية السهلة، ولا السلسة، ولها “أعراض جانبية” غير مريحة· فهل نحن مستعدون لها ولتحمل كل عواقبها وما سينتج عنها* بالطبع نعم· فمجرد ذكرها مقترنة باسم الوطن موسيقى تحيي الجسد بعد أن كلّ وملّ، إنها التطور الطبيعي للتاريخ والسبيل الوحيد لتحقيق التوجيه السامي الكريم بتحقيق مطلب “توسيع المشاركة الشعبية”·
ولكن قبل أن ندخل دوامتها، لابد من نشر ثقافتها بين الناس، فلا تجربة لنا فيها إلا ما يحصل في الغرف التجارية، وهذه دائرتها ضيقة وملابستها بعيدة عن الرأي العام لابتعاد الصحافة أو تبعيدها عن مجرياتها، من الجيد لو يتوسع إعلامنا بالاهتمام بفكرة الانتخابات وتطبيقاتها المختلفة من حولنا، ولعل خبر تشكيل تجارب مجالس شورى في مدارس الرياض لتدريب الناشئة على هذا العلم الجديد (بالنسبة لنا) دليل على توجه القيادة نحو تعميق الفهم الديمقراطي والانتخابي مبكرا لدى الناشئة، وقبل ذلك كله من الضروري جعل الانتخابات مجرد وسيلة لغاية أكبر وهي إشراك الشعب في صنع قراره، بتوسيع صلاحيات المجالس البلدية وأية هيئة أخرى يختار أعضاؤها مباشرة بالانتخاب·
فليس من المبرر إجراء انتخابات تهدر فيها أموال، وأوقات ويتنافس فيها مرشحون يتفقون تارة ويختلفون تارات أخرى، تلاحقهم الصحافة وكاميرات التلفزيون، ويحضر مولدهم عشرات الصحفيين الأجانب ليشهدوا التجربة السعودية الوليدة، من أجل مجلس بلدي استشاري، متواضع الصلاحيات، يعقد جلساته في دورات متباعدة، لا يعرف له إنجاز، وملّ أعضاؤه منه فعزفوا عن حضور جلساته إلا مجاملة، وحبذا لو يفتح الزملاء الصحفيون ملف مجالس المناطق الحالية، ولتقارن بما حققه مجلس الشورى وكلاهما من عمر واحد لنرى الفارق بين الاثنين·
من مزايا القيادة السعودية إنها لا تجامل ولا تتجمل أيضا بغير فعل حقيقي، لقد كان بإمكانها أن تفعل فعل غيرها، وتدخل عالم “الديمقراطية” بانتخابات شكلية مثل غيرها من الدول العربية التي تنتخب رئيسها وبرلمانها ومجالسها المحلية، ولكن الجميع يعرف كيف تجري الانتخابات هناك، فكانت النتيجة أن عزفت شعوبها عن تلك العبثية، فلم تعد تشارك ولا تهتم بمن فاز أو خسر، لأن الفائز لا يمثل المواطن وحتى لو أراد ذلك فإنه لن يستطيع إليه سبيلا في مجلس شكلي خال من الصلاحيات وبدون أسنان· حتى عراق صدام حسين كانت تجري فيها انتخابات، فتزدان شوارع بغداد والبصرة بصور المرشحين ولافتاتهم ومهرجاناتهم الانتخابية·
بالتأكيد لا نريد شيئا من هذا، وأفضل أن نمضي على ما نحن فيه من أن نزج بأنفسنا في مسرحيات هزلية كهذه· والمؤكد أن القيادة السعودية لديها برنامج حقيقي وصادق لتحقيق مطلب توسيع المشاركة الشعبية، وإلا لما أقدمت على فتح هذه النافذة وتحمل هذه المسؤولية الكبيرة، وبالتالي يجب أن نتوقع سلسلة من القرارات والأنظمة ذات العلاقة بالانتخابات التي هي مجرد أساس لبناء واسع ومتشعب·
وكم يكون مفيدا ومساعدا في نشر ثقافة انتخابية لو طرحت هذه القضايا في حوار وطني تبدأ به الصحافة، دون أن يكون حوارا معطلا، فهناك من يخشى الإصلاح وتوسيع المشاركة وسوف يستخدمون معاني نبيلة لتعطيلها، تارة باسم المصلحة الوطنية وأخرى بإسم الدين وثالثة لدرء مخاطر الانقسام والتحزب، ولكن القيادة التي أثبتت مرة أخرى أنها أكثر تقدمية، لتكن هي الحكم لترجيح الاجتهاد الأفضل والذي يتم به تحقيق التوجيه بتوسيع المشاركة الشعبية، لا تضييقها·
* إن الانتخابات تعني وجود هيئة عليا دائمة للانتخابات تكون بمثابة هيئة إشرافية محايدة تضع الأنظمة واللوائح وتحدد الإجراءات وتراقب التنفيذ فمتى تكون هذه الهيئة ومن ستضم؟
* وتعني أنظمة تتحدد بها صفة الناخب وسنه وتعليمه الأدنى، وتحديد العيوب التي تمنع الترشح، بل أيضا تحديد أو بالأحرى عدم تحديد جنس الناخب كي تشارك المرأة في حقها الطبيعي، وحبذا لو نحسم هذا الأمر فورا ولا تأخذنا حكمة التدرج فحينها يضيع الموضوع في أروقة أصحاب “الماسة المصونة والجوهرة المكنونة”·
* وتعني وجود قوائم للناخبين، وبطاقات توزع وأسماء تسجل وأخرى تحذف، وهي عملية تستغرق وقتا وجهدا لإنجازها وضبطها، كما تعني وجود لوائح تنظم عملية التصويت والفرز والتأكد من هوية الناخب ومنع التلاعب، مع وجود نظام للعقوبات ·
* وتعني وجود أنظمة تحدد قواعد الحملات الانتخابية والتي لابد أن تكون معلنة، فالناخب لابد أن يعرف لمن سيصوت، ولكن في الحملات تحصل تجاوزات واتهامات وتزكية للنفس، بل فساد يصل إلى شراء الأصوات وزعم بوجود تدخلات وتزوير فمن سينظم كل هذا؟
* وتعني وجود نظام يحقق تكافؤ الفرص ما بين المرشح الغني والفقير، وهنا تتدخل الدولة بوضع حد للإنفاق، وتعويض من لا يستطيع الإنفاق على حملته، مع وضع قواعد لجمع التبرعات وقبولها، ولمنع أصحاب المصالح من توجيه مرشحين لمصلحة خاصة وغير ذلك من المسائل الشائكة التي لا تزال أعتى ديمقراطيات العالم كالولايات المتحدة التي تنتخب كافة مسؤولي المناصب العامة، من رئيس البلاد إلى رئيس المط