تميّز الأسبوع المنصرم في خليجنا العربي بمجموعة من التطورات الإيجابية المرتبطة بمسيرة المشاركة السياسية في المنطقة، ومثل هذه التطورات تصب في مصلحة استقرار دول مجلس التعاون الخليجي وحماية مكتسباته التنموية وتعزيز أسس ودعائم الدولة الحديثة، كما أن هذه الخطوات، ولو أنها بطيئة للبعض، إلا أنها وبالمقابل تبرهن وتؤكد أن طريق الإصلاح والتحديث السياسي خيار محسوم لابد من السير في نهجه وتبقى الاجتهادات في التفاصيل والتوقيت وطبيعة التدرج التي يرى العديد من صناع القرار أنها ضرورية ومن مستلزمات الاستقرار·
ومن مسقط شهدت المنطقة خطوة أخرى مهمة في الانتقال الذي بدأت به السلطنة في عملية التحديث لنظامها السياسي، فمن بدايات تجرية متواضعة في المشاركة السياسية بدأ البناء الطموح تبرز معالمه وتتعزز مصداقيته مع كل خطوة، والانتخابات الأخيرة والتي شملت العُمانيين والعُمانيات أكدت لكل مشكّك أن القيادة السياسية العُمانية تؤمن أن توسيع المشاركة الشعبية قرار استراتيجي واستثمار مستقبلي، ولابد من الإشارة إلى أن عمان والعديد من الدول الخليجية قفزت فوق التناول الكويتي لمسألة الدور السياسي للمرأة وباتت الحقوق السياسية للمرأة العُمانية و(القطرية والبحرينية) مسألة محسومة وعنصراً أصيلاً في الشراكة المصيرية في مسيرة التنمية الخليجية، ومثل هذه القناعة تمثل التوجه الصحيح بدلاً من التعامل السلبي مع الدور السياسي للمرأة· ومن جهة أخرى لعل المنهج العُماني بمراحله المتدرجة يمثل الخط الذي تريد النخبة السياسية تبنيه حيث إنه يمثل الأرضية الوسط والتي تجمع بين الاستمرارية والاستقرار من جهة وضرورات التحديث من جهة أخرى·
ولم تقتصر المؤشرات الإيجابية على عُمان بل جاءت الأخبار السارة من الكويت ومن الرياض، وعلى رغم أن الكويت الشقيقة صاحبة التجربة الأعرق في المشاركة السياسية الخليجية إلا أن استثناء المرأة وحجب حقوقها السياسية يمثل سلبية لا تواكب روح العصر ولا تتناسب مع نضج التجربة الكويتية، وخاصة أن المرأة الكويتية نالت قسطاً كبيراً من التعليم ونشطت في سائر مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ومنعها من ممارسة حقوقها السياسية يتناقض مع التصور الكويتي للمجتمع الكويتي، ويمثل تحجيماً لا معنى له لشريحة متعلمة ناضجة تتوق لخدمة الوطن وإثراء تجربته التنموية، ولعل فتح باب الحوار والنقاش حول هذا الدور من خلال الانتخابات البلدية يمثل فرصة أخرى جديدة لتطويق تيار مؤدلج يريد أن يمارس الديمقراطية ويمنعها عن نصف المجتمع حين يمنع أو يحجم الدور السياسي للمرأة، ونأمل ألا يجهض مجلس الأمة الكويتي هذه المبادرة الحكومية والتي تسعى لمنح المرأة حقوقها السياسية على رغم أن الانتخابات البلدية، ومن خلال طبيعتها، تمثل الحد الأدنى للدور الذي يجب أن تلعبه المرأة، ولكنها على أية حال نقطة بداية ولبنة أولية من الضروري البناء عليها·
أما قرار مجلس الوزراء السعودي بتوسيع مشاركة المواطنين عن طريق انتخاب المجالس البلدية فيمثل تطوراً إيجابياً سيساهم في استقرار المملكة العربية السعودية وفي التحديث والتطوير السياسي لنظام حكمها، ويأتي هذا القرار مؤكداً أن حمى المشاركة السياسية بدأت في الوصول للدولة الأكبر بين دول الخليج العربية، وإقراراً بأن تجربة المجالس المعينة لا تواكب طموحات مجتمعاتنا حيث يبدو عدم التوازن واضحاً بين سرعة الحراك الاجتماعي و النمو الاقتصادي وبطء الإصلاح السياسي، وفي أجواء ما بعد الحادي عشر من سبتمبر لابد من أن نضيف أن خطوات كهذه لا شك أنها ستساعد في التصدي للعديد من الهجمات المغرضة والتي تعرضت لها وما زالت تتعرض لها الرياض·
تطورات وأخبار الأسبوع المنصرم سارة وإيجابية من حيث إنها تبين وبدون لبس أو غموض أن مسألة المشاركة السياسية تمثل أولوية من أولويات الأجندة السياسية في الخليج العربي، ومثل هذا التعامل الإيجابي مع هذا الموضوع الحيوي والحسّاس يمثل ترسيخاً للنجاح الذي حققته العديد من دول الخليج العربية على مستوى التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي والاجتماعي، ولابد لنا من أن ندرك جميعاً أن تطوير وتعزيز نظمنا السياسية من خلال تأطير وتشجيع المشاركة الشعبية يمثل بوليصة تأمين إضافية لتحديات المستقبل·