حدثت في الأسابيع القليلة الماضية بعض التطورات الأكثر إثارة لقلق الإيرانيين، وقد تمثلت بالتصريحات القوية والعلنية جداً الموجهة إليهم من الساسة الأوروبيين، بمن فيهم الممثل الأعلى للشؤون الخارجية "خافيير سولانا"، ووزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا• وقد دأب هؤلاء على إبلاغ إيران بأن عليها أن تلتزم بأحكام وقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن تقدم في موعد أقصاه 31 أكتوبر الجاري أدلة واضحة لا لبس فيها على أنها لا تقوم بتطوير برنامج للأسلحة النووية• في الماضي كان الإيرانيون واثقين من قدرتهم على إبقاء خلافاتهم مع الاتحاد الأوروبي بمعزل عن عدائهم القديم للولايات المتحدة• لكن يبدو الآن أن واشنطن وبروكسل على اتفاق عندما يتعلق الأمر بمسألة الطموحات النووية الإيرانية• ويمثل ذلك حلفاً هائلاً وتحدياً ضخماً أمام إيران؛ وصحيح أن لدى الأوروبيين من قوة التأثير الدبلوماسي والاقتصادي أكثر مما لدى الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة لديها قوتها العسكرية التي تحيط الآن فعلاً بإيران.
وقد كانت واشنطن مسرورة بأن ترى الأوروبيين يتخذون منهجاً أكثر تشدداً حيال طموحات إيران النووية• وما حدث أن شُعب الاستخبارات الأوروبية استنتجت، استناداً إلى تحليلاتها الخاصة، أن برنامج إيران النووي أكثر تقدماً بكثير مما أكده الاعتقاد السائد من قبل، وأن محاولات إيران لشراء التكنولوجيا المتقدمة توضح أنها تقوم بتطوير برنامج للأسلحة النووية.
والأكثر صلة وأهمية هنا أن فرنسا وبريطانيا نجحتا في إقناع ألمانيا بأن تتخذ الآن خطا متشدداً؛ كما أدى الموقف الأوروبي الموحد إلى إقناع الرئيس الروسي بأخذ المسألة النووية بقدر أكبر من الجدية• ويتعلق السؤال هنا بما إذا كان هذا التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا قادراً على التماسك وعلى وضع حد للأزمة النووية الإيرانية.
سيكون ذلك صعباً، إذ أن الإيرانيين قد يقتنعون بعدم وجود خيار أمامهم سوى التوقيع على البروتوكول الإضافي الذي تشترطه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة إلى فتح منشآتهم النووية أمام عمليات التفتيش، بما فيها عمليات التفتيش المفاجئة• غير أن المتحدثين الإيرانيين اتخذوا موقف العناد وأكدوا أنهم لن يقدموا أية تنازلات عن حقهم في تطوير دورة للوقود النووي، بما في ذلك منشآت تخصيب اليوروانيوم في "ناتانز"، من أجل إنتاج الوقود اللازم لتوليد الطاقة الكهربائية• ولا يجد هذا التطور قبولاً لدى الولايات المتحدة والحكومات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي• لكن الأوروبيين يرون أن دفع إيران إلى الانصياع للالتزام ببنود المعاهدات وإلى تجميد العمل في منشآت تخصيب اليورانيوم، سيوجب عرض صفقة على إيران؛ ومن الممكن أن يشمل ذلك اتفاقاً يخولها الحصول التكنولوجيا النووية من أجل محطات توليد الطاقة، مع إدراج فقرة صارمة تقضي بخضوع أي وقود مستخدم للإجراءات الوقائية التي تحددها الوكالة الدولية• وهكذا سيكون الموقف الأوروبي تأييد إكمال المفاعل الذي بناه الروس في بوشهر، شرط أن تكون روسيا المزود الوحيد للوقود وأن تكون المسؤولة عن إعادة الوقود المستهلك من أجل التخلص منه وإجراء عمليات العزل.
وسيتخذ الإيرانيون موقفاً معارضاً متحججين بأن من حقهم، إذا انصاعوا للمطالب، أن يمتلكوا هذه المقدرات بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية• وإذا استطاعت واشنطن وبروكسل التوصل إلى موقف مشترك يقدم لإيران صفقة تتيح لها مواصلة الحصول على التكنولوجيا النووية، التي لا يمكن تحويلها بسرعة إلى قنبلة، فإن إيران عندئذ ستتعرض لضغط شديد يرغمها على وضع حد لدورة الوقود النووي•ويعتري القلق بلداناً كثيرة منها اليابان بسبب المسألة النووية، إذ أنها تريد إقامة علاقات تجارية مع إيران، وستؤيد المنهج المتشدد الذي تؤيده أوروبا الآن.
من حيث الأساس، قد تكون المشكلة السياسية الأصعب موجودة في واشنطن، إذ ليس هناك حتى الآن اتفاق بين مساعدي الرئيس "بوش" حول مدى الشوط الذي ينبغي قطعه في تسوية الخلاف مع إيران إذا قدمت تنازلات على الجبهة النووية• وهناك لا يريد المتشددون شيئاً أقل من تغيير النظام الإيراني، على رغم أنهم غير مستعدين لاستخدام القوة لتحقيق ذلك• أما البراغماتيون في الإدارة فيعتقدون أن الضغط على إيران سينجح إذا عملت الولايات المتحدة وأوروبا مع روسيا، لكن ذلك لن يحدث إلا إذا أصبحت إدارة "بوش" أكثر ليونة في سياستها حيال إيران وكانت مستعدة لتقديم "بعض" "الجزرات" إليها• ولا أحد هناك يقترح رفع "العصي" عن الطاولة، لكن يبقى هناك أمل في أن الإيرانيين البراغماتيين سوف يرون أيضاً مزايا صفقة ما مع الغرب ويحلّون المسألة النووية بطريقة سلمية• وستكون الأسابيع القليلة القادمة اختباراً حرجاً لإصرار وصدق عزيمة كل الأطراف.