ظلك في كلماتنا، وكلماتك شموع في ليل ظالم ومظلم• حضورك وغيابك، كلاهما أكبر من أية كلمة: رثاء، تفجع، مصيبة••• إنه عالم الفقد والافتقاد واليتم والانفراد والوحشة.
أنت إدوارد سعيد: تلك القامة الممتدة، والفكرة الثاقبة، وشجاعة الموقف في حقبة بلا موقف ولا أفكار ولا تضحيات ولا استشهاديين• أنت حالة تهز صناع الفكر وتماثيل الأفكار، في ذلك الغرب الذي وضع غيره في قوالب وأصنام لا تمس• في غابة متشابكة وكثيفة، نحض سعيد ليفرز ذلك النسيج من الصور والأفكار والتمثلات والأوهام، خارج العقل المؤسس في الثقافة الغربية، لكنه امتداد لرافد التدليس والدس والتحريف..
وإذا كانت كتاباتك في النقد الأدبي والاستشراق، والنقد الموسيقي•• تمثل قمماً وذرى إزاء قريناتها لغيرك، فإن كتابك "صور المثقف" سيبقى انجيلاً ودليل عمل للمثقفين خلال الأزمنة القادمة• في هذا الكتاب أعدت تجديد الدور "الرسالي" للمثقف على نحو مؤثر ومقنع وقوي وشديد التماسك• أعدت الاعتبار إلى صورة المثقف المقاوم والشجاع والملتزم••• المثقف الذي يتبنى قضايا عادلة، يؤمن بها ويدافع عنها بحق وصدق وإخلاص••• أي المثقف الذي ينحاز إلى قيم العقل والحق والعدل، وليس إلى حسابات ومصالح شخصية• فما أحوجنا في هذا الزمن الباهت والمائع، إلى مثقف بتلك الصورة• مثقف على غرار مؤلف "صور المثقف"، الذي تحمّل مضايقات القوى الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة، وهي المهجر الذي لم ينسه مآسي وطنه فلسطين، كما تحمل إهانات حمقى من سلطة الحكم الذاتي في فلسطين••• وكان ذلك ثمناً لمواقف والتزامات أخلاقية صعبة التكاليف• يا لك من مثقف عقمت أرحام النساء عن إنجابه• فلك التحية والإجلال والتقدير، وأنت في لحدك تضيء عتمة الليل والهزائم وزمن القهر والكآبة والانحطاط.
وامحمد محنض ــ الرباط