بشار الأسد: كيف سيعالج طبيب العيون عمى الألوان الأميركي؟
ما الذي تواجهه سوريا من خلال القانون الأميركي الجديد حول معاقبتها؟ وهل سيحمل التصعيد الإسرائيلي ضدها مزيدا من الاعتداءات وأعمال التحرش العسكري؟
حتى وقت قريب كان كثيرا ما يُنظر إلى العلاقات السورية الأميركية على أنها أعمق مما توحي به تصريحات النقد السورية حول سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، فهي في العمق علاقات تفاهم ثنائي حول قضايا عديدة ومهمة بين الجانبين؛ منها الوجود السوري في لبنان، واستمرار الهدوء القائم في الجولان، والدور السوري في فرملة حزب الله ، ثم التعاون الذي أبدته دمشق في إطار الحرب الأميركية على الإرهاب·
إلا أنه فيما يبدو حركة طي لصفحة طويلة من التفاهم الحذر بين واشنطن ودمشق، خلال عهدي الرئيس بوش الابن وإدارة الرئيس كلينتون، تبنى مجلس النواب الأميركي، الخميس الماضي، مشروع قانون ينص على عقوبات اقتصادية ودبلوماسية بحق سوريا، ويدعوها إلى إنهاء دعمها لـ الإرهاب ، وسحب قواتها من لبنان، ووقف مساعيها للحصول على أسلحة للدمار الشامل·
ويلتقي القرار الأميركي ويتضافر مع الغارة الجوية الإسرائيلية ضد موقع سوري يوم الخامس من أكتوبر الجاري ؛ ويتعلقان معا بموقف دمشق حيال المسألة العراقية، وعلاقتها بالفصائل الفلسطينية، وشروط العودة إلى استئناف مفاوضات التسوية مع إسرائيل· فهل ثمة خيارات في الصمود والمناورة سوف تتبقى أمام سوريا التي تصر على مواقفها من العراق وفلسطين والجولان، في مواجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية؟
عندما خلف بشار الأسد والده في رئاسة سوريا في يونيو ،2000 تسلم يومها تركة مليئة بالمصاعب والتحديات والهواجس· فهضبة الجولان السورية لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام ،1967 في حين أن الاختلال المتنامي في ميزان القوة العسكرية مع الدولة الصهيونية بلغ رقما خياليا لصالح الأخيرة· وفي ذلك الوقت كانت مفاوضات التسوية على المسار السوري الإسرائيلي معلقة منذ عام ،1996 بينما عقدت الأطراف العربية الرئيسية اتفاقيات صلح وتسويات منفردة مع الدولة العبرية· ولعل الغارة الجوية الإسرائيلية على موقع عين الصاحب السوري في الذكرى الثلاثين لحرب أكتوبر التي خاضتها القوات السورية والمصرية معا ضد إسرائيل، إنما جاءت لتذكر دمشق بوضعها الجيوستراتيجي الهش والأكثر انكشافا·
ولعل أيضا ذلك الوضع الذي أصبحت عليه سوريا اليوم، كان أحد الهواجس الكبيرة لدى الرئيس الراحل حافظ الأسد: كيف سيفلح نجله وخليفته بشار في التعاطي مع استحقاقات العملية السلمية مع إسرائيل؟ وما الذي يلزمه حين تتسع أكثر فأكثر دائرة الهيمنة الأميركية على المنطقة؟ وكيف سيتصرف حين تصاب الولايات المتحدة بعمى الألوان وتبدل سياستها التسامحية تجاه النظام السوري؟
لقد كان ولا يزال التحدي الأكبر للرئيس الشاب بشار الأسد، هو الاقتصاد السوري الذي يعاني حالة من الترهل والقيود العتيقة، حتى أصبح يوصف بـ الاقتصاد الضعيف ، سواء من حيث الناتج المحلي الذي لم تتجاوز قيمته 15 مليار دولار، مقابل 17,8 مليون نسمة هم السكان، أو من حيث أرقام البطالة التي تجاوزت نسبتها 18,7 في المئة· لذلك لم تأت الإصلاحات الاقتصادية الجزئية ومشروعات تطوير البنية التحتية، بنتائج ذات مردود ملموس وواضح: خفض البطالة، جذب الاستثمارات، تحسين الدخول ومستويات المعيشة·
أما بالنسبة للإصلاحات السياسية التي توافرت، خلال الأشهر الأولى من حكم الأسد الابن، مؤشرات على نيته في تطبيقها، فسرعان ما تراجع احتمال حدوثها، خاصة إثر الضغوط التي تعرضت لها منتديات وجمعيات عديدة فيما تمت تسميته ربيع دمشق · فحزب البعث الذي تسلم السلطة في انقلاب عسكري عام ،1963 ما زال يهيمن على سائر المراكز ومفاصل الحياة العامة، ويسير الدولة وفق استراتيجية التحكم والسيطرة التي ظل يطورها حافظ الأسد منذ استلامه السلطة بواسطة انقلاب عسكري في عام ·1970
وغداة وفاة الأسد الأب يوم 10 يونيو ،2000 سارع الحرس القديم إلى عقد اجتماع للبرلمان السوري تم خلاله تغيير المادة 83 من الدستور السوري والمتعلقة بسن الترشيح في خطوة تستهدف السماح للأسد الابن بتولي السلطة في البلاد خلفًا لوالده، ثم أضافوا خطوات أخرى كترقيته إلى رتبة فريق وتعيينه قائدا أعلى للجيش والقوات المسلحة في يوم واحد، وخلال أسبوع تم تعيينه قائدا لمسيرة الحزب والشعب ومرشحا للاستفتاء على رئاسته للجمهورية·
وإذا كان الدكتور بشار دخل تجربة الرئاسة وهو شاب في الرابعة والثلاثين، ومن باب الوراثة العائلية، في أول حالة لتوريث الجمهوريات العربية، فانه دخل أيضا وهو يحمل خبرة سنوات عديدة قضاها إلى جانب والده منذ عام ،1994 اثر وفاة شقيقه الأكبر باسل الأسد الذي كان يجري إعداده لخلافة الأسد الأب· فقد تم استدعاء بشار الذي كان يدرس طب العيون في بريطانيا، والتحق بالجيش اثر ذلك مباشرة برتبة نقيب إلى أن أصبح برتبة عقيد ركن في عام ·1999 ولقي ميل بشار إلى التحديث والتطوير العل