سيظل يوم الثلاثاء الثالث عشر من أكتوبر الحالي معلما في خطوات انتقال السودان من الحكم الشمولي الأحادي إلى الحكم التعددي· ففي ذلك اليوم أطلق سراح الدكتور حسن الترابى زعيم حزب المؤتمر الشعبي الذي ظل معتقلا لأكثر من عامين متتاليين دون أن يقدم إلى محاكمة ودون أن يثبت ضده ما يدينه قانونا· وقد سمح لحزبه بالعودة إلى ممارسة نشاطه علنا وكذلك إصدار صحيفته التى ظلت معطلة· والأمر لا يقتصر على الدكتور الترابي وحزبه بل إن الخطوة تعني أن كل الأحزاب السياسية التي ظلت محظورة ومحرم عليها النشاط العلني منذ سيطرة (الانقاذ) على الحكم سيطبق عليها القرار نفسه، ولهذا وما سيترتب عليه فإن الإجراء يعد خطوة جديدة للولوج إلى مرحلة نهاية حكم الحزب الواحد والعودة إلى الديمقراطية·
لقد لخص الشيخ الترابي عراب النظام وزعيمه السياسي والروحي قبل الانقسام والقطيعة، لخص دواعي إطلاق سراحه في هذه المرحلة بالذات في اختلاف توازن القوى مشيراً بذلك إلى ما أصاب نظام الحكم من ضعف وتراجع بعد أن وصلت مراحل الاتفاق مع الحركة الشعبية ما وصلت إليه وبعد أن اضطر النظام إلى الجلوس إلى مائدة الحوار والتفاوض مع الجماعة المسلحة التي مارست نشاطاً حربياً مكثفاً في دارفور· وقال الدكتور الترابي: إن الموازنات الجديدة ما جاءت بالحجج والمنطق ولكنها جاءت بالقوة ·إن انتقال حزب الشيخ الترابي لممارسة نشاطه العلني وكذلك توقع امتداد ذلك إلى بقية الاحزاب المحظورة سينشط الساحة السياسية السودانية وسيعيد للعمل السياسي الديمقراطي حيويته واندفاعه وتطوره وذلك كله معلم من معالم المرحلة الجديدة المرتقبة·كان خلاف الدكتور الترابي مع بقية زعماء (الانقاذ) ذا طابع تنافسي في القبض والسيطرة على مفاتيح السلطة، ولكنه وبعد إبعاده وإقصائه عن مركز القرار أصبح داعيا قويا وعنيفا ضد ممارسات السلطة القمعية والاقصائية التي تميزت بها سنوات حكم (الإنقاذ) العشر الأولى والتي يتحمل فيها سيادته وزر القائد الاعلى والموجه السياسي والديني· وقد بلغ الدكتور الشيخ في نقده للنظام حداً كشف فيه للناس الغطاء عن كثير من الممارسات السرية ذات الوجه الكالح التي كان النظام الحاكم يخفيها عن الجماهير، ولعل ذلك كان هو السبب الحقيقي في اللجوء إلى اعتقاله وتحديد إقامته وتعطيل حزبه والصحيفة الناطقة باسمه· لقد أبعد وأقصي عن مراكز السلطة المدنية والعسكرية كثيرون من الذين اشتبه النظام في أنهم يدينون بالولاء للزعيم الأول الدكتور الترابي، ولكن على رغم هذه الخطوة فإن عدداً من مؤيديه في أجهزة الحكم استطاع أن يخفي حقيقة ولائه فبقي حيث هو ولم يمسه سوء·إن الزعيم الاسلامي الذي اشتهر عالميا والذي عاد منذ عصر الثلاثاء 13/10 إلى النشاط العلني سيركز دعوته على المطالبة بالحريات وتوسيعها وإشراك الآخرين في الحكم··· إلخ·
ولكن يظل السؤال: هل سيغفر له الشعب السوداني أنه كان المخطط والرجل الأول في انقلاب يونيو 1989 أم أن توازن القوى سيجعل الحساب والعقاب غداً أمراً لا فكاك منه؟